الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ٣٨٩
لقالوا إنما سكرت أبصارنا بل نحن قوم مسحورون. ولقد جعلنا في السماء بروجا وزيناها للناظرين. وحفظناها من كل شيطان رجيم. إلا من استرق السمع فأتبعه شهاب مبين. والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل شئ موزون. وجعلنا لكم فيها معايش ومن لستم له برازقين. وإن من شئ إلا عندنا خزائنه وما ننزله إلا بقدر معلوم. وأرسلنا الرياح لواقح فأنزلنا من السماء ماء فأسقيناكموه وما أنتم له بخازنين. وإنا لنحن نحيي ونميت
____________________
يعرجون بالضم والكسر، و (سكرت) حيرت أو حبست من الأبصار من السكر أو السكر. وقرئ سكرت بالتخفيف: أي حبست كما يحبس النهر من الجري. وقرئ سكرت من السكر: أي حارت كما يحار السكران، والمعنى أن هؤلاء المشركين بلغ من غلوهم في العناد أن لو فتح لهم باب من أبواب السماء ويسر لهم معراج يصعدون فيه إليها ورأوا من العيان ما رأوا لقالوا هو شئ نتخايله لا حقيقة له، ولقالوا قد سحرنا محمد بذلك. وقيل الضمير للملائكة: أي لو أريناهم الملائكة يصعدون في السماء عيانا لقالوا ذلك. وذكر الظلول ليجعل عروجهم بالنهار ليكونوا مستوضحين لما يرون، وقال: إنما ليدل على أنهم يبتون القول بأن ذلك ليس إلا تسكيرا للأبصار (من استرق) في محل النصب على الاستثناء. وعن ابن عباس أنهم كانوا لا يحجبون عن السماوات، فلما ولد عيسى منعوا من ثلاث سماوات، فلما ولد محمد منعوا من السماوات كلها (شهاب مبين) ظاهر للمبصرين (موزون) وزن بميزان الحكمة وقدر بمقدار تقتضيه لا يصلح فيه زيادة أو نقصان، أو له وزن وقدر في أبواب النعمة والمنفعة وقيل ما يوزن من نحو الذهب والفضة والنحاس والحديد وغيرها (معايش) بياء صريحة بخلاف الشمائل والخبائث وغيرهما، فإن تصريح الياء فيها خطأ والصواب الهمزة أو إخراج الياء بين بين. وقد قرئ معائش بالهمزة على التشبيه (ومن لستم له برازقين) عطف على معايش أو على محل لكم كأنه قيل: وجعلنا لكم فيها معايش، وجعلنا لكم من لستم له برازقين، أو جعلنا لكم معايش ولمن لستم له برازقين، وأراد بهم العيال والمماليك والخدم الذين يحسبون أنهم يرزقونهم ويخطئون، فإن الله هو الرزاق يرزقهم وإياهم، ويدخل فيه الأنعام والدواب وكل ما بتلك المثابة مما الله رازقه، وقد سبق إلى ظنهم أنهم هم الرازقون، ولا يجوز أن يكون مجرورا عطفا على الضمير المجرور في لكم لأنه لا يعطف على الضمير المجرور ذكر الخزائن تمثيل، والمعنى: وما من شئ ينتفع به العباد إلا ونحن قادرون على إيجاده وتكوينه والإنعام به وما نعطيه إلا بمقدار معلوم نعلم أنه مصلحة له، فضرب الخزائن مثلا لاقتداره على كل مقدور (لواقح) فيه قولان: أحدهما أن الريح لاقح إذا جاءت بخير من إنشاء سحاب ماطر كما للتي لا تأتي بخير ريح عقيم. والثاني أن اللواقح بمعنى الملاقح، كما قال: * ومختبط مما تطيح الطوائح * يريد المطاوح جمع مطيحة. وقرئ: وأرسلنا الريح، على تأويل الجنس (فأسقيناكموه) فجعلناكم سقيا (وما أنتم له بخازنين) نفى عنهم ما أثبته لنفسه في قوله - وإن من شئ إلا عندنا خزائنه - كأنه قال: نحن الخازنون للماء:
(٣٨٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 384 385 386 387 388 389 390 391 392 393 394 ... » »»