____________________
وقيل هو بعد ما يمضي شئ صالح من الليل. فإن قلت: ما معنى أمره باتباع أدبارهم ونهيهم عن الالتفات؟
قلت: قد بعث الله الهلاك على قومه ونجاه وأهله إجابة لدعوته عليهم، وخرج مهاجرا فلم يكن له بد من الاجتهاد في شكر الله وإدامة ذكره وتفريغ باله لذلك، فأمر بأن يقدمهم لئلا يشتغل بمن خلفه قلبه، وليكون مطلعا عليهم وعلى أحوالهم فلا تفرط منهم التفاتة احتشاما منه ولا غيرها من الهفوات في تلك الحال المهولة المحذورة، ولئلا يتخلف منهم أحد لغرض له فيصيبه العذاب، وليكون مسيره مسير الهارب الذي يقدم سربه ويفوت به، ونهوا عن الالتفات لئلا يروا ما ينزل بقومهم من العذاب فيرقوا لهم، وليوطنوا نفوسهم على المهاجرة ويطيبوها عن مساكنهم ويمضوا قدما غير ملتفتين إلى ما وراءهم، كالذي يتحسر على مفارقة وطنه فلا يزال يلوى إليه أخادعه، كما قال:
تلفت نحو الحي حتى وجدتني * رجعت من الإصغاء ليتا وأخدعا أو جعل النهي عن الالتفات كناية عن مواصلة السير وترك التواني والتوقف، لأن من يلتفت لا بد له في ذلك من أدنى وقفة (حيث تؤمرون) قيل هو مصر، وعدي وامضوا إلى حيث تعديته إلى الظرف المبهم، لأن حيث مبهم في الأمكنة وكذلك الضمير في تؤمرون، وعدي قضينا بإلى لأنه ضمن معنى أوحينا كأنه قيل: وأوحينا إليه مقضيا مبتوتا، وفسر (ذلك الأمر) بقوله (أن دابر هؤلاء مقطوع) وفي إبهامه وتفسيره تفخيم للأمر وتعظيم له وقرأ الأعمش إن بالكسر على الاستئناف كأن قائلا قال: أخبرنا عن ذلك الأمر، فقال إن دابر هؤلاء. وفي قراءة ابن مسعود: وقلنا إن دابر هؤلاء، ودابرهم آخرهم: يعني يستأصلون عن آخرهم حتى لا يبقى منهم أحد (أهل المدينة) أهل سدوم التي ضرب بقاضيها المثل في الجور مستبشرين بالملائكة (لا تفضحون) بفضيحة ضيفي لأن من أسئ إلى ضيفه أو جاره فقد أسئ إليه، كما أن من أكرم من يتصل به فقد أكرم (ولا تخزون) ولا تذلون بإذلال ضيفي من الخزي وهو الهوان، أو ولا تشوروا بي من الخزية وهي الحياء (عن العالمين) عن أن تجبر منهم أحدا أو تدفع عنهم أو تمنع بيننا وبينهم فإنهم كانوا يتعرضون لكل أحد، وكان يقوم صلى الله عليه وسلم بالنهي عن المنكر والحجر بينهم وبين المتعرض له، فأوعدوه و- قالوا لئن لم تنته يا لوط لتكونن من المخرجين
قلت: قد بعث الله الهلاك على قومه ونجاه وأهله إجابة لدعوته عليهم، وخرج مهاجرا فلم يكن له بد من الاجتهاد في شكر الله وإدامة ذكره وتفريغ باله لذلك، فأمر بأن يقدمهم لئلا يشتغل بمن خلفه قلبه، وليكون مطلعا عليهم وعلى أحوالهم فلا تفرط منهم التفاتة احتشاما منه ولا غيرها من الهفوات في تلك الحال المهولة المحذورة، ولئلا يتخلف منهم أحد لغرض له فيصيبه العذاب، وليكون مسيره مسير الهارب الذي يقدم سربه ويفوت به، ونهوا عن الالتفات لئلا يروا ما ينزل بقومهم من العذاب فيرقوا لهم، وليوطنوا نفوسهم على المهاجرة ويطيبوها عن مساكنهم ويمضوا قدما غير ملتفتين إلى ما وراءهم، كالذي يتحسر على مفارقة وطنه فلا يزال يلوى إليه أخادعه، كما قال:
تلفت نحو الحي حتى وجدتني * رجعت من الإصغاء ليتا وأخدعا أو جعل النهي عن الالتفات كناية عن مواصلة السير وترك التواني والتوقف، لأن من يلتفت لا بد له في ذلك من أدنى وقفة (حيث تؤمرون) قيل هو مصر، وعدي وامضوا إلى حيث تعديته إلى الظرف المبهم، لأن حيث مبهم في الأمكنة وكذلك الضمير في تؤمرون، وعدي قضينا بإلى لأنه ضمن معنى أوحينا كأنه قيل: وأوحينا إليه مقضيا مبتوتا، وفسر (ذلك الأمر) بقوله (أن دابر هؤلاء مقطوع) وفي إبهامه وتفسيره تفخيم للأمر وتعظيم له وقرأ الأعمش إن بالكسر على الاستئناف كأن قائلا قال: أخبرنا عن ذلك الأمر، فقال إن دابر هؤلاء. وفي قراءة ابن مسعود: وقلنا إن دابر هؤلاء، ودابرهم آخرهم: يعني يستأصلون عن آخرهم حتى لا يبقى منهم أحد (أهل المدينة) أهل سدوم التي ضرب بقاضيها المثل في الجور مستبشرين بالملائكة (لا تفضحون) بفضيحة ضيفي لأن من أسئ إلى ضيفه أو جاره فقد أسئ إليه، كما أن من أكرم من يتصل به فقد أكرم (ولا تخزون) ولا تذلون بإذلال ضيفي من الخزي وهو الهوان، أو ولا تشوروا بي من الخزية وهي الحياء (عن العالمين) عن أن تجبر منهم أحدا أو تدفع عنهم أو تمنع بيننا وبينهم فإنهم كانوا يتعرضون لكل أحد، وكان يقوم صلى الله عليه وسلم بالنهي عن المنكر والحجر بينهم وبين المتعرض له، فأوعدوه و- قالوا لئن لم تنته يا لوط لتكونن من المخرجين