الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ٣٨٨
إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون. ولقد أرسلنا من قبلك في شيع الأولين.
وما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزئون. كذلك نسلكه في قلوب المجرمين لا يؤمنون به وقد خلت سنة الأولين. ولو فتحنا عليهم بابا من السماء فظلوا فيه يعرجون.
____________________
وإنا له لحافظون). قلت: قد جعل ذلك دليلا على أنه منزل من عنده آية، لأنه لو كان من قول البشر أو غير آية لتطرق عليه الزيادة والنقصان كما يتطرق على كل كلام سواه. وقيل الضمير في له لرسول الله صلى الله عليه وسلم كقوله تعالى - والله يعصمك - (في شيع الأولين) في فرقهم وطوائفهم والشيعة الفرقة إذا اتفقوا على مذهب وطريقة. ومعنى أرسلناه فيهم نبأناه وجعلناه رسولا فيما بينهم (وما يأتيهم) حكاية حال ماضية لأن " ما " لا تدخل على مضارع إلا وهو في معنى الحال، ولا على ماض إلا وهو قريب من الحال. يقال سلكت الخيط في الإبرة وأسلكته: إذا أدخلته فيها ونظمته. وقرئ نسلكه والضمير للذكر: أي مثل ذلك السلك ونحوه نسلك الذكر (في قلوب المجرمين) على معنى أنه يلقيه في قلوبهم مكذبا مستهزئا به غير مقبول كما لو أنزلت بلئيم حاجة فلم يجبك إليها. قلت: كذلك أنزلها باللئام: تعنى مثل هذا الإنزال أنزلناها بهم مردودة غير مقضية، ومحل قوله (لا يؤمنون به) النصب على الحال: أي غير مؤمن به، أو هو بيان لقوله - كذلك نسلكه - (سنة الأولين) طريقتهم التي سنها الله في إهلاكهم حين كذبوا برسلهم وبالذكر المنزل عليهم، وهو وعيد لأهل مكة على تكذيبهم. قرئ
(٣٨٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 383 384 385 386 387 388 389 390 391 392 393 ... » »»