الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ٣٨٦
ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين. ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويلههم الأمل فسوف يعلمون.
____________________
والمعنى: تلك آيات الكتاب في كونه كتابا وأي قرآن مبين، كأنه قيل: الكتاب الجامع للكمال والغرابة في البيان.
قرئ ربما وربتما بالتشديد، وربما وربما بالضم والفتح مع التخفيف. فإن قلت: لم دخلت على المضارع وقد أبوا دخولها إلا على الماضي؟ قلت: لأن المترقب في إخبار الله تعالى بمنزلة الماضي المقطوع به في تحققه فكأنه قيل ربما ود. فإن قلت: متى تكون ودادتهم؟ قلت: عند الموت أو يوم القيامة إذا عاينوا حالهم وحال المسلمين.
وقيل إذا رأوا المسلمين يخرجون من النار وهذا أيضا من باب الودادة. فإن قلت: فما معنى التقليل؟ قلت: هو وارد على مذهب العرب في قولهم: لعلك ستندم على فعلك، وربما ندم الإنسان على ما فعل ولا يشكون في تندمه ولا يقصدون تقليله، ولكنهم أرادوا لو كان الندم مشكوكا فيه أو كان قليلا لحق عليك أن لا تفعل هذا الفعل، لأن العقلاء يتحرزون من التعرض للغم المظنون كما يتحرزون من المتيقن، ومن القليل منه كما من الكثير، وكذلك المعنى في الآية: لو كانوا يودون الإسلام مرة واحدة فبالحري أن يسارعوا إليه فكيف وهم يودونه في كل ساعة و (لو كانوا مسلمين) حكاية ودادتهم، وإنما جئ بها على لفظ الغيبة لأنهم مخبر عنهم كقولك: حلف بالله ليفعلن، ولو قيل حلف بالله لأفعلن ولو كنا مسلمين لكان حسنا سديدا. وقيل تدهشهم أهوال ذلك اليوم فيبقون مبهوتين، فإن حانت منهم إفاقة في بعض الأوقات من سكرتهم تمنوا فلذلك قال (ذرهم) يعني اقطع طمعك من رعوائهم ودعهم عن النهي عما هم عليه والصد عنه بالتذكرة والنصيحة، وخلهم (يأكلوا ويتمتعوا) بدنياهم وتنفيذ شهواتهم ويشغلهم أملهم وتوقعهم لطول الأعمار واستقامة الأحوال وأن لا يلقوا في العاقبة إلا خيرا (فسوف يعلمون) سوء صنيعهم والغرض الإيذان بأنهم من أهل الخذلان، وأنهم لا يجئ منهم إلا ما هم فيه، وأنه لا زاجر لهم ولا واعظ إلا معاينة ما ينذرون به حين لا ينفعهم الوعظ ولا سبيل إلى اتعاظهم قبل ذلك، فأمر رسوله بأن
(٣٨٦)
مفاتيح البحث: الأكل (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 381 382 383 384 385 386 387 388 389 390 391 ... » »»