الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ٣٩٣
قالوا بشرناك بالحق فلا تكن من القانطيين. قال ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون.
قال فما خطبكم أيها المرسلون. قالوا إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين. إلا آل لوط إنا لمنجوهم أجمعين. إلا امرأته
____________________
في العادة، وقوله (بشرناك بالحق) يحتمل أن تكون الياء فيه صلة: أي بشرناك باليقين الذي لا لبس فيه، أو بشرناك بطريقة هي حق وهي قول الله ووعده وأنه قادر على أن يوجد ولدا من غير أبوين فكيف من شيخ فان وعجوز عاقر. وقرئ تبشرون بفتح النون وبكسرها على حذف نون الجمع والأصل تبشرونن وتبشرون بإدغام نون الجمع في نون العماد. وقرئ من القنطين من قنط يقنط. وقرئ ومن يقنط بالحركات الثلاث في النون. أراد - ومن يقنط من رحمة ربه - إلا المخطئون طريق الصواب أو إلا الكافرون، كقوله - لا ييئس من روح الله إلا القوم الكافرون - يعني لم أستنكر ذلك قنوطا من رحمته ولكن استبعادا له في العادة التي أجراها الله. فإن قلت:
قوله تعالى (إلا آل لوط) استثناء متصل أو منقطع؟ قلت: لا يخلو من أن يكون استثناء من قوم فيكون منقطعا لأن القوم موصوفون بالإجرام فاختلف لذلك الجنسان، وأن يكون استثناء من الضمير في مجرمين فيكون متصلا كأنه قيل: إلى قوم قد أجرموا كلهم إلا آل لوط وحدهم كما قال - فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين -. فإن قلت: فهل يختلف المعنى لاختلاف الاستثناءين؟ قلت: نعم وذلك أن آل لوط مخرجون في المنقطع من حكم الإرسال، وعلى أنهم أرسلوا إلى القوم المجرمين خاصة ولم يرسلوا إلى آل لوط أصلا. ومعنى إرسالهم إلى القوم المجرمين كإرسال الحجر أو السهم إلى المرمى في أنه في معنى التعذيب والإهلاك، كأنه قيل: إنا أهلكنا قوما مجرمين ولكن آل لوط أنجيناهم، وأما في المتصل فهم داخلون في حكم الإرسال، وعلى أن الملائكة أرسلوا إليهم جميعا ليهلكوا هؤلاء وينجوا هؤلاء فلا يكون الإرسال مخلصا بمعنى الإهلاك والتعذيب كما في الوجه الأول. فإن قلت: فقوله (إنا لمنجوهم) بم يتعلق على الوجهين؟ قلت: إذا انقطع الاستثناء جرى مجرى خير لكن في الاتصال بآل لوط، لأن المعنى: لكن آل لوط منجون، وإذا اتصل كان كلاما مستأنفا كأن إبراهيم عليه السلام قال لهم: فما حال آل لوط؟ فقالوا إنا لمنجوهم. فإن قلت: فقوله (إلا امرأته) مم استثنى وهل هو استثناء من استثناء؟ قلت: استثني من الضمير المجرور في قوله لمنجوهم، وليس من الاستثناء في شئ لأن الاستثناء من الاستثناء إنما يكون فيما اتحد الحكم فيه، وأن يقال أهلكناهم إلا آل لوط إلا امرأته، كما اتحد الحكم في قول المطلق أنت طالق ثلاثا إلا اثنين إلا واحدة، وفي قول المقر لفلان علي عشر دراهم إلا ثلاثة إلا درهما، فأما في الآية
(٣٩٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 388 389 390 391 392 393 394 395 396 397 398 ... » »»