الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ٣٧٤
وقال الشيطان لما قضي الأمر إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي إني كفرت
____________________
ومهرب جزعنا أم صبرنا، ويجوز أن يكون من كلام الضعفاء والمستكبرين جميعا كأنه قيل: قالوا جميعا سواء علينا كقوله - ذلك ليعلم أني لم أخنه - والمحيص يكون مصدرا كالمغيب والمشيب ومكانا كالمبيت والمصيف، ويقال حاص عنه وحاص بمعنى واحد (لما قضي الأمر) لما قطع الأمر وفرغ منه، وهو الحساب وتصادر الفريقين ودخول أحدهما الجنة ودخول الآخر النار. وروي أن الشيطان يقوم عند ذلك خطيبا في الأشقياء من الجن والإنس فيقول ذلك (إن الله وعدكم وعد الحق) وهو البعث والجزاء على الأعمال فوفى لكم بما وعدكم (ووعدتكم) خلاف ذلك (فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان) من تسلط وقهر فأقسركم على الكفر والمعاصي وألجئكم إليها (إلا أن دعوتكم) إلا دعائي إياكم إلى الضلالة بوسوستي وتزييني، وليس الدعاء من جنس السلطان ولكنه كقولك:
ما تحيتهم إلا الضرب (فلا تلوموني ولوموا أنفسكم) حيث اغتررتم بي وأطعتموني إذ دعوتكم ولم تطيعوا ربكم إذا دعاكم، وهذا دليل على أن الإنسان هو الذي يختار الشقاوة أو السعادة ويحصلها لنفسه، وليس من الله إلا التمكين ولا من الشيطان إلا التزيين، ولو كان الأمر كما تزعم المجبرة لقال: فلا تلوموني ولا أنفسكم فإن الله قضى عليكم الكفر وأجبركم عليه. فإن قلت: قول الشيطان باطل لا يصح التعلق به. قلت: لو كان هذا القول منه باطلا لبين الله بطلانه وأظهر إنكاره، على أنه لا طائل له في النطق بالباطل في ذلك المقام، ألا ترى إلى قوله - إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم - كيف أتى فيه بالحق والصدق وفي قوله - وما كان لي عليكم من سلطان - وهو مثل قول الله تعالى - إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين - (ما أنا بمصرخكم وأما أنتم بمصرخي) لا ينجي بعضنا بعضا من عذاب الله ولا يغيثه، والإصراخ: الإغاثة. وقرئ بمصرخي بكسر الياء وهي ضعيفة واستشهدوا لها ببيت مجهول:
(٣٧٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 369 370 371 372 373 374 375 376 377 378 379 ... » »»