الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ٣٧٢
مثل الذين كفروا بربهم أعمالهم كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف لا يقدرون مما كسبوا على شئ ذلك هو الضلال البعيد. ألم تر أن الله خلق السماوات والأرض بالحق إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد. وما ذلك على الله بعزيز. وبرزوا لله
____________________
سيبويه تقديره: وفيما يقص عليك (مثل الذين كفروا بربهم) والمثل مستعار للصفة التي فيها غرابة، وقوله (أعمالهم كرماد) جملة مستأنفة على تقدير سؤال سائل يقول كيف مثلهم فقيل - أعمالهم كرماد -، ويجوز أن يكون المعنى: مثل أعمال الذين كفروا بربهم، أو هذه الجملة خبر للمبتدأ: أي صفة الذين كفروا أعمالهم كرماد كقولك: صفة زيد عرضه مصون وماله مبذول، أو يكون أعمالهم بدلا من - مثل الذين كفروا - على تقدير مثل أعمالهم وكرماد الخبر. وقرئ الرياح (في يوم عاصف) جعل العصف لليوم وهو لما فيه وهو الريح أو الرياح كقولك يوم ماطر وليلة ساكرة، وإنما السكور لريحها. وقرئ - في يوم عاصف - بالإضافة، وأعمال الكفرة:
المكارم التي كانت لهم من صلة الأرحام، وعتق الرقاب، وفداء الأسارى، وعقر الإبل للأضياف، وإغاثة الملهوفين، والإجارة وغير ذلك من صنائعهم، شبهها في حبوطها وذهابها هباء منثورا لبنائها على غير أساس من معرفة الله والإيمان به وكونها لوجه برماد طيرته الريح العاصف (لا يقدرون) يوم القيامة (مما كسبوا) من أعمالهم (على شئ) أي لا يرون له أثرا من ثواب كما لا يقدر من الرماد المطير في الريح على شئ (ذلك هو الضلال البعيد) إشارة إلى بعد ضلالهم عن طريق الحق أو عن الثواب (بالحق) بالحكمة والغرض الصحيح والأمر العظيم ولم يخلقها عبثا ولا شهوة. وقرئ - خالق السماوات والأرض - (إن يشأ يذهبكم) أي هو قادر أن يعدم الناس ويخلق مكانهم خلقا آخر على شكلهم أو على خلاف شكلهم، إعلاما منه باقتداره على إعدام الموجود وإيجاد المعدوم، يقدر على شئ وجنس ضده (وما ذلك على الله بعزيز) بمعتذر بل هو هين عليه يسير، لأنه قادر بالذات لا اختصاص له بمقدور دون مقدور، فإذا خلص له الداعي إلى شئ وانتفى الصارف تكون من غير توقف كتحريك إصبعك إذا دعاك إليه داع ولم يعترض دونه صارف، وهذه الآية بيان لإبعادهم في الضلال وعظيم خطئهم في الكفر بالله لوضوح آياته الشاهدة له الدالة على قدرته الباهرة وحكمته البالغة، وأنه هو الحقيق بأن يعبد ويخاف عقابه ويرجى ثوابه في دار الجزاء (وبرزوا لله) ويبرزون يوم القيامة، وإنما جئ بلفظ الماضي لأن ما أخبر به عز وعلا لصدقه كأنه قد كان ووجد ونحوه - ونادى أصحاب الجنة - ونادى أصحاب النار - ونظائر له، ومعنى يروزهم لله والله تعالى لا يتوارى عنه شئ حتى يبرز له: أنهم كانوا يستترون من العيون عند ارتكاب الفواحش ويظنون أن ذلك خاف على الله، فإذا كان يوم القيامة انكشفوا لله عند أنفسهم وعلموا أن الله لا يخفى
(٣٧٢)
مفاتيح البحث: الضلال (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 367 368 369 370 371 372 373 374 375 376 377 ... » »»