الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ٣٦٩
إنا كفرنا بما أرسلتم به وإنا لفي شك مما تدعوننا إلى مريب. قالت رسلهم أفي الله شك فاطر السماوات والأرض يدعوكم ليغفر لكم من ذنوبكم ويؤخركم إلى أجل مسمى قالوا إن أنتم إلا بشر مثلنا تريدون أن تصدونا عما كان يعبد آباؤنا فأتونا
____________________
غيظا وضجرا مما جاءت به الرسل كقوله - عضوا عليكم الأنامل من الغيظ - أو ضحكا واستهزاء كمن غلبه الضحك فوضع يده على فيه، أو أشاروا بأيديهم إلى ألسنتهم وما نطقت به من قولهم (إنا كفرنا بما أرسلتم به) أي هذا جوابنا لكم ليس عندنا غيره إقناطا لهم من التصديق، ألا ترى إلى قوله - فردوا أيديهم في أفواههم وقالوا إنا كفرنا بما أرسلتم به - وهذا قول قوي، أو وضعوها على أفواههم يقولون للأنبياء أطبقوا أفواهكم واسكتوا، أو ردوها في أفواه الأنبياء يشيرون لهم إلى السكوت، أو وضعوها على أفواهكم يسكتونهم ولا يذرونهم يتكلمون. وقيل الأيدي جمع يد وهي النعمة بمعنى الأيادي: أي ردوا نعم الأنبياء التي هي أجل النعم من مواعظهم ونصائحهم وما أوحي إليهم من الشرائع والآيات في أفواههم لأنهم إذا كذبوها ولم يقبلوها فكأنهم ردوها في أفواههم ورجعوها منه على طريق المثل (مما تدعوننا إليه) من الإيمان بالله. وقرئ تدعونا بإدغام النون (مريب) موقع في الريبة، أو ذي ريبة من أرابه وأراب الرجل، وهي قلق النفس وأن لا تطمئن إلى الأمر (أفي الله شك) أدخلت همزة الإنكار على الظرف لأن الكلام ليس في الشك إنما هو في المشكوك فيه، وأنه لا يحتمل الشك لظهور الأدلة وشهادتها عليه (يدعوكم ليغفر لكم من ذنوبكم) أي يدعوكم إلى الإيمان ليغفر لكم، أو يدعوكم لأجل المفغرة كقوله: دعوته لينصرني، ودعوته ليأكل معي، وقال:
دعوت لما نابني مسورا * فلبى فلبى يدي مسور فإن قلت: ما معنى التبعيض في قوله من ذنوبكم؟ قلت: ما علمته جاء هكذا إلا في خطاب الكافرين كقوله - واتقوه وأطيعون. يغفر لكم من ذنوبكم - يا قومنا أجيبوا داعي الله وآمنوا به يغفر لكم من ذنوبكم - وقال في خطاب المؤمنين - هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم - إلى أن قال - يغفر لكم ذنوبكم - وغير ذلك مما يقفك عليه الاستقراء، وكأن ذلك للتفرقة بين الخطابين ولئلا يسوى بين الفريقين في الميعاد، وقيل أريد أن يغفر لهم ما بينهم وبين الله بخلاف ما بينهم وبين العباد من المظالم ونحوها (ويؤخركم إلى أجل مسمى) إلى وقت قد سماه الله وبين مقداره يبلغكموه إن آمنتم وإلا عاجلكم بالهلاك قبل ذلك الوقت (إن أنتم) ما أنتم (إلا بشر مثلنا) لا فضل بيننا وبينكم، ولا فضل لكم علينا فلم تخصون بالنبوة دوننا؟ ولو أرسل الله إلى البشر رسلا لجعلهم من
(٣٦٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 364 365 366 367 368 369 370 371 372 373 374 ... » »»