الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ٣٧٣
جميعا فقال الضعفاء للذين استكبروا إنا كنا لكم تبعا فهل أنتم مغنون عنا من عذاب الله من شئ قالوا لو هدانا الله لهديناكم سواء علينا أجزعنا أو صبرنا ما لنا من محيص.
____________________
عليه خافية، أو خرجوا من قبورهم فبرزوا لحساب الله وحكمه. فإن قلت: لم كتب (الضعفاء) بواو قبل الهمزة؟ قلت: كتب على لفظ من يفخم الألف قبل الهمزة فيميلها إلى الواو، ونظيره علماء بني إسرائيل، والضعفاء الأتباع والعوام. والذين استكبروا: ساداتهم وكبراؤهم الذين استتبعوهم واستغووهم وصدوهم عن الاستماع إلى الأنبياء وأتباعهم (تبعا) تابعين جمع تابع على تبع كقولهم خادم وخدم وغائب وغيب أو ذوي تبع والتبع الأتباع، يقال تبعه تبعا. فإن قلت: أي فرق بين من في (من عذاب الله) وبينه في (من شئ)؟ قلت:
الأولى للتبيين، والثانية للتبعيض كأنه قيل: هل أنتم مغنون عنا بعض الشئ الذي هو عذاب الله؟ ويجوز أن تكون للتبعيض معا بمعنى: هل أنتم مغنون عنا بعض شئ هو بعض عذاب الله؟ أي بعض بعض عذاب الله. فإن قلت: فما معنى قوله (لو هدانا الله لهديناكم)؟ قلت: الذي قال لهم الضعفاء كان توبيخا لهم وعتابا على استتباعهم واستغوائهم، وقولهم فهل أنتم مغنون عنا من باب التبكيت، لأنهم قد علموا أنهم لا يقدرون على الإغناء عنهم فأجابوهم معتذرين عما كان منهم إليهم بأن الله لو هداهم إلى الإيمان لهدوهم ولم يضلوهم، إما موكورين الذنب في ضلالهم وإضلالهم على الله كما حكى الله عنهم - وقالوا لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا - لو شاء الله ما عبدنا من دونه من شئ - يقولون ذلك في الآخرة كما كانوا يقولونه في الدنيا، ويدل عليه قوله حكاية عن المنافقين - يوم يبعثهم الله جميعا فيحلفون له كما يحلفون لكم ويحسبون أنهم على شئ - وإما أن يكون المعنى: لو كنا من أهل اللطف فلطف بنا ربنا واهتدينا لهديناكم إلى الإيمان. وقيل معناه: لو هدانا الله طريق النجاة من العذاب لهديناكم: أي لأغنينا عنكم وسلكنا بكم طريق النجاة كما سلكنا بكم طريق الهلكة (سواء علينا أجزعنا أم صبرنا) مستويان عليه الجزع والصبر، والهمزة وأم للتسوية، ونحوه - اصبروا أو لا تصبروا سواء عليكم - وروي أنهم يقولون تعالوا نجزع، فيجزعون خمسمائة عام فلا ينفعهم، فيقولون تعالوا نصبر، فيصبرون كذلك ثم يقولون سواء علينا. فإن قلت: كيف اتصل قوله سواء علينا بما قبله؟ قلت: اتصاله به بما من حيث أن عتابهم لهم كان جزعا مما هم فيه فقالوا - سواء علينا أجزعنا أم صبرنا - يريدون أنفسهم وإياهم لاجتماعهم في عقاب الضلالة التي كانوا مجتمعين فيها يقولون: ما هذا الجزع والتوبيخ؟ ولا فائدة في الجزع كما لا فائدة في الصبر والأمر من ذلك أطم، أو لما قالوا:
لو هدانا الله طريق النجاة لأغنينا عنكم وأنجيناكم أتبعوه الإقناط من النجاة فقالوا (ما لنا من محيص) أي منجى
(٣٧٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 368 369 370 371 372 373 374 375 376 377 378 ... » »»