الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ٣٧٧
اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار. يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء * ألم تر إلى الذين بدلوا نعمت الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار. جهنم يصلونها وبئس القرار.
____________________
وقيل كل كلمة قبيحة، وأما الشجرة الخبيثة فكل شجرة لا يطيب ثمرها كشجرة الحنظل والكشوث ونحو ذلك، وقوله (اجتثت من فوق الأرض) في مقابلة قوله أصلها ثابت، ومعنى اجتثت استؤصلت، وحقيقة الاجتثاث أخذ الجثة كلها (ما لها من قرار) أي استقرار، يقال قر الشئ قرارا كقولك ثبت ثباتا، شبه بها القول الذي لم يعضد بحجة فهو داحض غير ثابت، والذي لا يبقى إنما يضمحل عن قريب لبطلانه من قولهم الباطل لجلج. وعن قتادة أنه قيل لبعض العلماء: ما تقول في كلمة خبيثة؟ فقال: ما أعلم لها في الأرض مستقرا ولا في السماء مصعدا إلا أن تلزم عنق صاحبها حتى يوافي بها القيامة (بالقول الثابت) الذي ثبت بالحجة والبرهان في قلب صاحبه وتمكن فيه فاعتقده واطمأنت إليه نفسه، وتثبيتهم به في الدنيا أنهم إذا فتنوا في دينهم لم يزلوا كما ثبت الذين فتنهم أصحاب الأخدود والذين نشروا بالمناشير ومشطت لحومهم بأمشاط الحديد، وكما ثبت جرجيس وشمسون وغيرهما، وتثبيتهم في الآخرة أنهم إذا سئلوا عند تواقف الأشهاد عن معتقدهم ودينهم لم يتلعثموا ولم يبهتوا ولم تحيرهم أهوال الحشر. وقيل معناه: الثبات عند سؤال القبر. وعن البراء بن عازب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر قبض روح المؤمن فقال: ثم يعاد روحه في جسده فيأتيه ملكان فيجلسانه في قبره ويقولان له: من ربك وما دينك وما نبيك؟ فيقول: ربي الله وديني الإسلام ونبيي محمد، فينادي مناد من السماء أن صدق عبدي، فلذلك قوله - يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت - (ويضل الله الظالمين) الذين لم يتمسكوا بحجة في دينهم وإنما اقتصروا على تقليد كبارهم وشيوخهم كما قلد المشركون آباءهم فقالوا: إنا وجدنا آباءنا على أمة، وإضلالهم في الدنيا أنهم لا يثبتون في مواقف الفتن وتزل أقدامهم أول شئ وهم في الآخرة أضل وأزل (ويفعل الله ما يشاء) أي ما توجبه الحكمة لأن مشيئة الله تابعة للحكمة من تثبيت المؤمنين وتأييدهم وعصمتهم عند ثباتهم وعزمهم، ومن إضلال الظالمين وخذلانهم والتخلية بينهم وبين شأنهم عند زللهم (بدلوا نعمت الله) أي شكر نعمة الله (كفرا) لأن شكرها الذي وجب عليهم وضعوا مكانه كفرا، فكأنهم غيروا الشكر إلى الكفر وبدلوه تبديلا ونحوه - وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون - أي شكر رزقكم حيث وضعتم التكذيب موضعه، ووجه آخر وهو أنهم بدلوا نفس النعمة كفرا، على أنهم لما كفروها سلبوها فبقوا مسلوبي النعمة موصوفين بالكفر حاصلا لهم الكفر بدل النعمة، وهم أهل مكة أسكنهم الله حرمه وجعلهم قوام بيته وأكرمهم بمحمد صلى الله عليه وسلم فكفروا نعمة الله بدل ما لزمهم من الشكر العظيم، أو أصابهم الله بالنعمة في الرخاء والسعة لإيلافهم الرحلتين فكفروا نعمته، فضربهم بالقحط سبع سنين، فحصل لهم الكفر بدل النعمة، وكذلك حين أسروا وقتلوا يوم بدر قد ذهبت عنهم النعمة وبقي الكفر طوقا في أعناقهم. وعن عمر رضي الله عنه " هم الأفجران من قريش بنو المغيرة وبنو أمية، فأما بنو المغيرة فكفيتموهم يوم بدر، وأما بنو أمية فمنعوا حتى حين " وقيل هم متنصرة العرب جبلة بن الأيهم وأصحابه (وأحلوا قومهم) ممن تابعهم على الكفر (دار البوار) دار الهلاك. وعطف (جهنم) على
(٣٧٧)
مفاتيح البحث: الظلم (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 372 373 374 375 376 377 378 379 380 381 382 ... » »»