الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ٣٤٧
القرى أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم ولدار الآخرة خير للذين اتقوا أفلا تعقلون. حتى إذا استيئس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا فنجى من نشاء ولا يرد بأسنا عن القوم المجرمين. لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب
____________________
القرى) لأنهم أعلم وأحلم وأهل البوادي فيهم الجهل والجفاء والقسوة (ولدار الآخرة) ولدار الساعة أو الحال الآخرة (خير للذين اتقوا) للذين خافوا الله فلم يشركوا به ولم يعصوه. وقرى أفلا تعقلون بالتاء والياء (حتى) متعلقة بمحذوف دل عليه الكلام كأنه قيل: وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا فتراخى نصرهم حتى إذا استيأسوا عن النصر (وظنوا أنهم قد كذبوا) أي كذبتهم أنفسهم حين حدثتهم بأنهم ينصرون، أو رجاؤهم لقولهم رجاء صادق ورجاء كاذب، والمعنى: أن مدة التكذيب والعداوة من الكفار وانتظار النصر من الله وتأميلة قد تطاولت عليهم وتمادت حتى استشعروا القنوط وتوهموا أن لا نصر لهم في الدنيا، فجاءهم نصرنا فجأة من غير احتساب.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما: وظنوا حين ضعفوا وغلبوا أنهم قد أخلفوا ما وعدهم الله من النصر وقال كانوا بشرا، وتلا قوله - وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله - فإن صح هذا عن ابن عباس فقد أراد بالظن ما يخطر بالبال ويهجس في القلب من شبه الوسوسة وحديث النفس على ما عليه البشرية، وأما الظن الذي هو ترجح أحد الجائزين على الآخر فغير جائز على رجل من المسلمين، فما بال رسل الله الذين هم أعرف الناس بربهم، وأنه متعال عن خلف الميعاد منزه عن كل قبيح. وقيل وظن المرسل إليهم أن الرسل قد كذبوا:
أي أخلفوا، أو ظن المرسل إليهم أنهم كذبوا من جهة الرسل: أي كذبتهم الرسل في أنهم ينصرون عليهم ولم يصدقوهم فيه. وقرئ كذبوا بالتشديد على وظن الرسل أنهم قد كذبتهم قومهم فيما وعدوهم من العذاب والنصرة عليهم. وقرأ مجاهد كذبوا بالتخفيف على البناء للفاعل على وظن الرسل أنهم قد كذبوا فيما حدثوا به قومهم من النصرة، إما على تأويل ابن عباس، وإما على أن قومهم إذا لم يروا لموعدهم أثرا قالوا لهم إنكم قد كذبتمونا فيكونون كاذبين عند قومهم، أو وظن المرسل إليهم أن الرسل قد كذبوا، ولو قرئ بهذا مشددا لكان معناه:
وظن الرسل أن قومهم كذبوهم في موعدهم. وقرئ فننجى بالتخفيف والتشديد من أنجاه ونجاه وفنجى على لفظ الماضي المبنى للمفعول. وقرأ ابن محيصن فنجا. والمراد ب‍ (من نشاء) المؤمنون لأنهم الذين يستأهلون أن يشاء نجاتهم، وقد بين ذلك بقوله (ولا يرد بأسنا عن القوم المجرمين). الضمير في (قصصهم) للرسل، وينصره قراءة
(٣٤٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 342 343 344 345 346 347 348 349 350 351 352 ... » »»