الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ٣٤٢
من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين. قالوا تالله لقد آثرك الله علينا وإن كنا لخاطئين قال لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين اذهبوا بقميصي هذا فألقوه على وجه أبى
____________________
سنخ إبراهيم لا عن بعض أعزاء مصر - وقيل تبسم عند ذلك فعرفوه بثناياه وكانت كاللؤلؤ المنظوم. وقيل ما عرفوه حتى رفع التاج عن رأسه فنظروا إلى علامة بقرنه كانت ليعقوب وسارة مثلها تشبه الشامة البيضاء. فإن قلت: قد سألوه عن نفسه فلم أجابهم عنها وعن أخيه على أن أخاه كان معلوما لهم؟ قلت: لأنه كان في ذكر أخيه بيان لما سألوه عنه (من يتق) من يخف الله وعقابه (ويصبر) عن المعاصي وعلى الطاعات (فإن الله لا يضيع) أجرهم، فوضع المحسنين موضع الضمير لاشتماله على المتقين والصابرين (لقد آثرك الله علينا) أي فضلك علينا بالتقوى والصبر وسيرة المحسنين. وإن شأننا وحالنا أنا كنا خاطئين متعمدين للإثم لم نتق ولم نصبر، لاجرم أن الله أعزك بالملك وأذلنا بالتمسكن بين يديك (لا تثريب عليكم) لا تأنيب عليكم ولا عتب، وأصل التثريب من الثرب وهو الشحم الذي هو غاشية الكرش ومعناه إزالة الثرب كما أن التجليد والتقريع إزالة الجلد والقرع، لأنه إذا ذهب كان ذلك غاية الهزال والعجف الذي ليس بعده، فضرب مثلا للتقريع الذي يمزق الأعراض ويذهب بماء الوجوه. فإن قلت: بم تعلق اليوم؟ قلت: بالتثريب أو بالمقدر في عليكم من معنى الاستقرار أو بيغفر، والمعنى: لا أثربكم اليوم وهو اليوم الذي هو مظنة التثريب فما ظنكم بغيره من الأيام، ثم ابتدأ فقال (يغفر الله لكم) فدعا لهم بمغفرة ما فرط منهم، يقال غفر الله لك ويغفر الله لك على لفظ الماضي والمضارع جميعا، ومنه قول المشمت: يهديكم الله ويصلح بالكم، أو اليوم يغفر الله لكم، بشارة بعاجل غفران الله لما تجدد يومئذ من توبتهم وندمهم على خطيئتهم.
وروى (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ بعضادتي باب الكعبة يوم الفتح فقال لقريش: ما ترونني فاعلا بكم قالوا: نظن خيرا أخ كريم وابن أخ كريم وقد قدرت، فقال: أقول ما قال أخي يوسف: لا تثريب عليكم اليوم) وروى (أن أبا سفيان لما جاء ليسلم قال له العباس: إذا أتيت الرسول فاتل عليه: قال لا تثريب عليكم ففعل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: غفر الله لك ولمن علمك). ويروى أن إخوته لما عرفوه أرسلوا إليه إنك تدعونا إلى طعامك بكرة وعشية ونحن نستحيي منك لما فرط منا فيك، فقال يوسف: إن أهل مصر وإن ملكت فيهم فإنهم ينظرون إلى بالعين الأولى ويقولون: سبحان من بلغ عبدا بيع بعشرين درهما ما بلغ، ولقد شرفت الآن بكم وعظمت في العيون حيث علم الناس أنكم إخوتي وأنى من حفدة إبراهيم (اذهبوا بقميصي هذا) قيل هو القميص
(٣٤٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 337 338 339 340 341 342 343 344 345 346 347 ... » »»