ثم يأتي من بعد ذلك سبع شداد يأكلن ما قدمتم لهن إلا قليلا مما تحصنون. ثم يأتي من بعد ذلك عام فيه يغاث الناس وفيه يعصرون. وقال الملك ائتوني به
____________________
لأنه ليس على يقين من الرجوع، فربما اخترم دونه، ولا من علمهم فربما لم يعلموا، أو معنى: لعلهم يعلمون لعلهم يعلمون فضلك ومكانك من العلم فيطلبوك من محنتك (تزرعون) خبر في معنى الأمر كقوله - تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون - وإنما يخرج الأمر في صورة الخبر للمبالغة في إيجاب إيجاد المأمور به فيجعل كأنه يوجد فهو يخبر عنه، والدليل على كونه في معنى الأمر قوله - فذروه في سنبله - (دأبا) بسكون الهمزة وتحريكها، وهما مصدرا دأب في العمل وهو حال من المأمورين: أي دائبين، إما على تدأبون دأبا، وإما على إيقاع المصدر حالا بمعنى ذوي دأب (فذروه في سنبله) لئلا يتسوس و (يأكلن) من الإسناد المجازى جعل أكل أهلهن مسند إليهن (تحصنون) تحرزون وتخبئون (يغاث الناس) من الغوث أو من الغيث، يقال غيثت البلاد إذا مطرت، ومنه قول الأعرابية غثنا ما شئنا (يعصرون) بالياء والتاء يعصرون العنب والزيتون والسمسم، وقيل يحلبون الضروع، وقرئ يعصرون على البناء للمفعول من عصره إذا أنجاه وهو مطابق للإغاثة، ويجوز أن يكون المبنى للفاعل بمعنى ينجون كأنه قيل: فيه يغاث الناس وفيه يغيثون أنفسهم: أي يغيثهم الله ويغيث بعضهم بعضا. وقيل يعصرون: يمطرون من أعصرت السحابة، وفيه وجهان: إما أن يضمن أعصرت معنى مطرت فيعدى تعديته، وإما أن يقال الأصل أعصرت عليهم فحذف الجار وأوصل الفعل. تأول البقرات السمان والسنبلات الخضر بسنين مخاصيب، والعجاف اليابسات بسنين مجدبة، ثم بشرهم بعد الفراغ من تأويل الرؤيا بأن العام الثامن يجئ مباركا خصيبا كثير الخير غزير النعم وذلك من جهة الوحي. وعن قتادة: زاده الله علم سنة. فإن قلت:
معلوم أن السنين المجدبة إذا انتهت كان انتهاؤها بالخصب وإلا لم توصف بالانتهاء، فلم قلت إن علم ذلك من جهة الوحي؟ قلت: ذلك معلوم علما مطلقا مفصلا، وقوله (فيه يغاث الناس وفيه يعصرون) تفصيل لحال العالم وذلك لا يعلم إلا بالوحي. إنما تأتى وتثبت في إجابة الملك وقدم سؤال النسوة ليظهر براءة ساحته عما قرف به وسجن فيه لئلا يتسلق به الحاسدون إلى تقبيح أمره عنده ويجعلون سلما إلى حط منزلته لديه، ولئلا يقولوا ما خلد في السجن سبع سنين إلا لأمر عظيم وجرم كبير حق به أن يسجن ويعذب ويستكف شره. وفيه دليل على أن الاجتهاد في نفى التهم واجب وجوب اتقاء الوقوف في مواقفها، قال عليه الصلاة والسلام (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يقفن مواقف التهم) ومنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للمارين به في معتكفه وعنده بعض نسائه: (هي فلانة) اتقاء للتهمة. وعن النبي صلى الله عليه وسلم (لقد عجبت من يوسف وكرمه وصبره والله يغفر له حين سئل عن البقرات العجاف والسمان، ولو كنت مكانه ما أخبرتهم حتى أشترط أن يخرجوني، ولقد عجبت منه حين أتاه الرسول فقال ارجع إلى ربك، ولو كنت مكانه ولبثت في السجن ما لبث لأسرعت الإجابة وبادرتهم الباب ولما ابتغيت العذر، إن كان لحليما ذا أناة) وإنما قال: سل الملك عن حال النسوة ولم يقل سله أن يفتش عن شأنهن، لأن السؤال مما يهيج الإنسان ويحركه للبحث عما سأل عنه، فأراد أن يورد عليه السؤال ليجد في التفتيش عن حقيقة
معلوم أن السنين المجدبة إذا انتهت كان انتهاؤها بالخصب وإلا لم توصف بالانتهاء، فلم قلت إن علم ذلك من جهة الوحي؟ قلت: ذلك معلوم علما مطلقا مفصلا، وقوله (فيه يغاث الناس وفيه يعصرون) تفصيل لحال العالم وذلك لا يعلم إلا بالوحي. إنما تأتى وتثبت في إجابة الملك وقدم سؤال النسوة ليظهر براءة ساحته عما قرف به وسجن فيه لئلا يتسلق به الحاسدون إلى تقبيح أمره عنده ويجعلون سلما إلى حط منزلته لديه، ولئلا يقولوا ما خلد في السجن سبع سنين إلا لأمر عظيم وجرم كبير حق به أن يسجن ويعذب ويستكف شره. وفيه دليل على أن الاجتهاد في نفى التهم واجب وجوب اتقاء الوقوف في مواقفها، قال عليه الصلاة والسلام (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يقفن مواقف التهم) ومنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للمارين به في معتكفه وعنده بعض نسائه: (هي فلانة) اتقاء للتهمة. وعن النبي صلى الله عليه وسلم (لقد عجبت من يوسف وكرمه وصبره والله يغفر له حين سئل عن البقرات العجاف والسمان، ولو كنت مكانه ما أخبرتهم حتى أشترط أن يخرجوني، ولقد عجبت منه حين أتاه الرسول فقال ارجع إلى ربك، ولو كنت مكانه ولبثت في السجن ما لبث لأسرعت الإجابة وبادرتهم الباب ولما ابتغيت العذر، إن كان لحليما ذا أناة) وإنما قال: سل الملك عن حال النسوة ولم يقل سله أن يفتش عن شأنهن، لأن السؤال مما يهيج الإنسان ويحركه للبحث عما سأل عنه، فأراد أن يورد عليه السؤال ليجد في التفتيش عن حقيقة