الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ٢٩٧
إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين. واصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين. فلولا كان من القرون من قبلكم أولوا بقية ينهون عن الفساد في الأرض
____________________
كقولك: أقمت عنده جميع النهار وأتيته نصف النهار: وأوله وآخره تنصب هذا كله على إعطاء المضاف حكم المضاف إليه ونحوه وأطراف النهار. وقرئ وزلفا بضمتين، وزلفا بسكون اللام، وزلفى بوزن قربى، فالزلف جمع زلفة كظلم، والزلف بالسكون نحو بسرة وبسر والزلف بضمتين نحو بسر في بسر، والزلفى بمعنى الزلفة كما أن القربى بمعنى القربة وهو ما يقرب من آخر النهار من الليل. وقيل - وزلفا من الليل، وقربا من الليل وحقها على هذا التفسير أن تعطف على الصلاة: أي أقم الصلاة طرفي النهار وأقم زلفا من الليل، على معنى: وأقم صلاة تتقرب بها إلى الله عز وجل في بعض الليل (إن الحسنات يذهبن السيئات) فيه وجهان: أحدهما أن يراد تكفير الصغائر بالطاعات، وفى الحديث (إن الصلاة إلى الصلاة كفاره ما بينهما ما اجتنبت الكبائر). والثاني (إن الحسنات يذهبن السيئات) بأن يكن لطفا في تركها كقوله - إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر - وقيل نزلت في أبى اليسر عمرو بن غزية الأنصاري، كان يبيع التمر فأتته امرأة فأعجبته، فقال لها: إن في البيت أجود من هذا التمر، فذهب بها إلى بيته فضمها إلى نفسه وقبلها، فقالت له: اتق الله، فتركها وندم، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره بما فعل، فقال صلى الله عليه وسلم (أنتظر أمر ربى، فلما صلى صلاة العصر نزلت، فقال: نعم اذهب فإنها كفارة بما عملت) وروى أنه أتى أبا بكر فأخبره فقال: استر على نفسك وتب إلى الله، فأتى عمر رضي الله عنه فقال له مثل ذلك، ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت، فقال عمر: أهذا له خاصة أم للناس عامة؟ فقال: بل للناس عامة. وروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له (توضأ وضوءا حسنا وصل ركعتين. إن الحسنات يذهبن السيئات) (ذلك) إشارة إلى قوله فاستقم فما بعده (ذكرى للذاكرين) عظة المتعظين. ثم كر إلى التذكير بالصبر بعد ما جاء بما هو خاتمة للتذكير، وهذا الكرور لفضل خصوصية ومزية وتنبيه على مكان الصبر ومحله، كأنه قال: وعليك بما هو أهم مما ذكرت به وأحق بالتوصية وهو الصبر على امتثال ما أمرت به والانتهاء عما نهيت عنه، فلا يتم شئ منه إلا به (فإن الله لا يضيع أجر المحسنين) جاء بما هو مشتمل على الاستقامة وإقامة الصلوات والانتهاء عن الطغيان والركون إلى الظالمين والصبر وغير ذلك من الحسنات (فلولا كان من القرون) فهلا كان. وقد حكوا عن الخليل: كل لولا في القرآن فمعناها هلا إلا التي في الصافات وما صحت هذه الحكاية ففي غير الصافات - لولا أن تداركه نعمة من ربه لنبذ بالعراء - ولولا رجال مؤمنون - ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم - (أو لوا بقية) أو لو فضل وخير، وسمى الفضل والجودة بقية لأن الرجل يستبقى مما يخرجه أجوده وأفضله فصار مثلا في الجودة والفضل، ويقال فلان من بقية القوم: أي من خيارهم وبه فسر بيت الحماسة * إن تذنبوا ثم يأتيني بقيتكم * ومنه قولهم: في الزوايا خبايا وفى الرجال بقاليا. ويجوز أن تكون البقية بمعنى البقوى كالتعقبة بمعنى التقوى: أي فهلا كان منهم ذوو بقاء على أنفسهم وصيانة لها من سخط الله وعقابه. وقرئ أولو بقية بوزن لقية من بقاء يبقيه إذا راقبه وانتظره، ومنه بقينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، والبقية المرة من مصدره. والمعنى: فلولا كان منهم أولو مراقبة وخشية من انتقام الله كأنهم ينتظرون
(٢٩٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 292 293 294 295 296 297 298 299 300 301 302 ... » »»