الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ٣٠١
وإن كنت من قبله لمن الغافلين. إذ قال يوسف لأبيه يا أبت إني رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر
____________________
وأعجب أسلوب، ألا ترى أن هذا الحديث مقتص في كتب الأولين وفى التواريخ، ولا ترى اقتصاصه في كتاب منها مقاربا لاقتصاصه في القرآن. وإن أريد بالقصص المقصوص فمعناه: نحن نقص عليك أحسن ما يقص من الأحاديث، وإنما كان أحسنه لما يتضمن من العبر والنكت والحكم والعجائب التي ليست في غيرها، والظاهر أنه أحسن ما يقتص في بابه كما يقال في الرجل هو أعلم الناس وأفضلهم، يراد في فنه. فإن قلت مم اشتقاق القصص؟ قلت: من قص أثره إذا اتبعه، لأن الذي يقص الحديث يتبع ما حفظ منه شيئا فشيئا كما يقال تلا القرآن إذا قرأه لأنه يتلو: أي يتبع ما حفظ منه آية بعد آية (وإن كنت) إن مخففة من الثقيلة. واللام هي التي تفرق بينها وبين النافية، والضمير في (قبله) راجع إلى قوله - ما أوحينا - والمعنى: وإن الشأن والحديث كنت من قبل إيحائنا إليك من الغافلين عنه: أي من الجاهلين به ما كان لك فيه علم قط ولا طرق سمعك طرف منه (إذ قال يوسف) بدل من أحسن القصص وهو من بدل الاشتمال لأن الوقت مشتمل على القصص وهو المقصوص، فإذا قص وقته فقد قص، أو بإضمار أذكر. ويوسف اسم عبراني، وقيل عربي وليس بصحيح، لأنه لو كان عربيا لا نصرف لخلوه عن سبب آخر سوى التعريف. فإن قلت: فما تقول فيمن قرأ يوسف بكسر السين، أو يوسف بفتحها، هل يجوز على قراءته أن يقال هو عربي لأنه على وزن المضارع المبنى للفاعل، أو المفعول من آسف وإنما منع الصرف للتعريف ووزن الفعل؟ قلت: لا لأن القراءة المشهورة قامت بالشهادة على أن الكلمة أعجمية فلا تكون عربية تارة وأعجمية أخرى ونحو يوسف يونس رويت فيه هذه اللغات الثلاث، ولا يقال هو عربي لأنه في لغتين منها بوزن المضارع من آنس وأونس. وعن النبي صلى الله عليه وسلم (إذا قيل من الكريم فقولوا الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم) (يا أبت) قرئ بالحركات الثلاث. فإن قلت: ما هذه التاء؟ قلت: تاء تأنيث وقعت عوضا من ياء الإضافة، والدليل على أنها تاء تأنيث قلبها هاء في الوقف. فإن قلت: كيف جاز الحاق تاء التأنيث بالمذكر؟ قلت: كما جاز نحو قولك حمامة ذكر وشاة ذكر ورجل ربعة وغلام يفعة. فإن قلت: فلم ساغ تعويض تاء التأنيث من ياء الإضافة؟ قلت: لأن التأنيث والإضافة يتناسبان في أن كل واحد منهما زيادة مضمومة إلى الاسم في آخره. فإن قلت: فما هذه الكسرة؟ قلت: هي الكسرة التي كانت قبل الياء في قولك يا أبى قد زحلقت إلى التاء لاقتضاء تاء التأنيث أن يكون ما قبلها مفتوحا. فإن قلت: فما بال الكسرة لم تسقط بالفتحة التي اقتضتها التاء وتبقى التاء ساكنة؟ قلت: امتنع ذلك فيها لأنها اسم والأسماء حقها التحريك لأصالتها في الإعراب، وإنما جاز تسكين الياء وأصلها أن تحرك تخفيفا لأنها حرف لين،
(٣٠١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 296 297 298 299 300 301 302 303 304 305 306 ... » »»