الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ٣٠٢
رأيتهم لي ساجدين. قال يا بني لا تقصص رؤياك على إخوتك
____________________
وأما التاء فحرف صحيح نحو كاف الضمير فلزم تحريكها. فإن قلت: يشبه الجمع بين التاء وبين هذه الكسرة الجمع بين العوض والمعوض منه لأنها في حكم الياء إذا قلت يا غلام، فكما لا يجوز يا أبتي لا يجوز يا أبت. قلت: الياء والكسرة قبلها شيئان، والتاء عوض من أحد الشيئين وهو الياء، والكسره غير متعرض لها، فلا يجمع بين العوض والمعوض منه إلا إذا جمع بين التاء والياء لا غير، ألا ترى إلى قولهم يا أبتا مع كون الألف فيه بدلا من الياء كيف جاز الجمع بينها وبين التاء ولم يعد ذلك جمعا بين العوض والمعوض منه فالكسرة أبعد من ذلك. فإن قلت: فقد دلت الكسرة في يا غلام على الإضافة لأنها قرينة الياء ولصيقتها، فإن دلت على مثل ذلك في يا أبت فالتاء المعوضة لغو وجودها كعدمها. قلت: بل حالها مع التاء كحالها مع الياء إذا قلت يا أبي. فإن قلت: فما وجه من قرأ بفتح التاء وضمها؟ قلت: أما من فتح فقد حذف الألف من يا أبتاه واستبقى الفتحة قبلها كما فعل من حذف الياء في يا غلام، ويجوز أن يقال حركها بحركة الياء المعوض منها في قولك يا أبي، وأما من ضم فقد رأى اسما في آخره تاء تأنيث فأجراه مجرى الأسماء المؤنثة بالتاء فقال يا أبت، كما تقول يا ثبة من غير اعتبار لكونها عوضا من ياء الإضافة.
وقرئ إني رأيت بتحريك الياء، وأحد عشر بسكون العين تخفيفا لتوالى المتحركات فيما هو في حكم اسم واحد، وكذا إلى تسعة عشر إلا اثنى عشر لئلا يلتقى ساكنان. ورأيت من الرؤيا لامن الرؤية لأن ما ذكره معلوم أنه منام، لأن الشمس والقمر لو اجتمعا مع الكواكب ساجدة ليوسف في حال اليقظة لكانت آية عظيمة ليعقوب عليه السلام ولما خفيت عليه وعلى الناس. فإن قلت: ما أسماء تلك الكواكب؟ قلت: روى جابر (أن يهوديا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا محمد أخبرني عن النجوم التي رآهن يوسف، فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنزل جبريل عليه السلام فأخبره بذلك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لليهودي: إن أخبرتك هل تسلم؟ قال نعم. قال حريان والطارق والذيال وقابس وعمودان والفليق والمصبح والضروح والفرغ ووثاب وذو الكتفين رآها يوسف، والشمس والقمر نزلن من السماء وسجدن له، فقال اليهودي: أي والله إنها لأسماؤها) وقيل الشمس والقمر أبواه، وقيل أبوه وخالته والكواكب إخوته. وعن وهب أن يوسف رأى وهو ابن سبع سنين أن إحدى عشرا عصا طوالا كانت مركوزة في الأرض كهيئه الدارة، وإذا عصا صغيرة تثب عليها حتى اقتلعتها وغلبتها، فوصف ذلك لأبيه فقال: إياك أن تذكر هذا لإخوتك، ثم رأى وهو ابن اثنتي عشرة سنة الشمس والقمر والكواكب تسجد له فقصها على أبيه فقال له: لا تقصها عليهم فيبغوا لك الغوائل. وقيل كان بين رؤيا يوسف ومصير إخوته إليه أربعون سنه، وقيل ثمانون. فإن قلت: لم أخر الشمس والقمر؟ قلت:
أخرهما ليعطفهما على الكواكب على طريق الاختصاص بيانا لفضلهما واستبدادهما بالمزية على غيرهما من الطوالع، كما أخر جبريل وميكائيل عن الملائكة ثم عطفهما عليها لذلك. ويجوز أن تكون الواو بمعنى مع: أي رأيت الكواكب مع الشمس والقمر. فإن قلت: ما معنى تكرار رأيت؟ قلت: ليس بتكرار إنما هو كلام مستأنف على تقدير سؤال وقع جوابا له كأن يعقوب عليه السلام قال له عند قوله - إني رأيت أحد عشر كوكبا - كيف رأيتها؟
سائلا عن حال رؤيتها، فقال (رأيتهم لي ساجدين). فإن قلت: فلم أجريت مجرى العقلاء في - رأيتهم لي ساجدين -؟ قلت: لأنها لما وصفها بما هو خاص بالعقلاء وهو السجود أجرى عليها حكمهم كأنها عاقلة، وهذا
(٣٠٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 297 298 299 300 301 302 303 304 305 306 307 ... » »»