الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ٢٨٦
وما أنا عليكم بحفيظ قالوا يا شعيب أصلواتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء
____________________
للكفرة لأنهم يسلمون معها من تبعة البخس والتطفيف، فلم شرط الإيمان؟ قلت لظهور فائدتها مع الإيمان من حصول الثواب مع النجاة من العقاب وخفاء فائدتها مع فقد لانغماس صاحبها في غمرات الكفر، وفى ذلك استعظام للإيمان وتنبيه على جلالة شأنه. ويجوز أن يراد: إن كنتم مصدقين لي فيما أقول لكم وأنصح به إياكم ويجوز أن يراد: ما يبقى لكم من عند الله من الطاعات خير لكم كقوله - والباقيات الصالحات خير عند ربك - وإضافة البقية إلى الله من حيث إنها رزقه الذي يجوز أن يضاف إليه، وأما الحرام فلا يضاف إلى الله ولا يسمى رزقا، وإذا أريد بها الطاعة فكما تقول طاعة الله. وقرئ تقية الله بالتاء وهى تقواه ومراقبته التي تصرف عن المعاصي والقبائح (وما أنا عليكم بحفيظ) وما بعثت لأحفظ عليكم أعمالكم وأجازيكم عليها، وأنما بعثت مبلغا ومنبها على الخير وناصحا، وقد أعذرت حين أنذرت. كان شعيب عليه السلام كثير الصلوات، وكان قومه إذا رأوه يصلى تغامزوا وتضاحكوا، فقصدوا بقولهم (أصلواتك تأمرك) السخرية والهزء. والصلاة وإن جاز أن تكون آمرة على طريق المجاز كما كانت ناهية في قوله - إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر - وأن يقال إن الصلاة تأمر بالجميل والمعروف كما يقال تدعوا إليه وتبعث عليه، إلا أنهم ساقوا الكلام مساق الطير، وجعلوا الصلاة آمرة على سبيل التهكم بصلاته، وأردوا أن هذا الذي تأمر به من ترك عبادة الأوثان باطل لا وجه لصحته، وأن مثله لا يدعوك إليه داعي عقل ولا يأمرك به آمر فطنة، فلم يبق إلا أن يأمرك به آمر هذيان ووسوسة شيطان، وهو صلواتك التي تداوم عليها في ليلك ونهارك، وعندهم أنها من باب الجنون ومما يتولع به المجانين والموسوسون من بعض الأقوال والأفعال. ومعنى تأمرك (أن نترك) تأمرك بتكليف أن نترك (ما يعبد آباؤنا) فحذف المضاف
(٢٨٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 281 282 283 284 285 286 287 288 289 290 291 ... » »»