الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ٢٩٢
أنفسهم فما أغنت عنهم آلهتهم التي يدعون من دون الله من شئ لما جاء أمر ربك وما زادوهم غير تتبيب. وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهى ظالمة إن أخذه أليم شديد إن في ذلك لآية لمن خاف عذاب الآخرة ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود
____________________
أنفسهم) بارتكاب ما به أهلكوا (فما أغنت عنهم آلهتهم) فما قدرت أن ترد عنهم بأس الله (يدعون) يعبدون وهى حكاية حال ماضية، و (لما) منصوب بما أغنت (أمر ربك) عذابه ونقمته (تتبيب) تخسير، يقال تب إذا خسر، وتبه غيره إذا أوقعه في الخسران. محل الكاف الرفع تقديره ومثل ذلك الأخذ (أخذ ربك) والنصب فيمن قرأ - وكذلك أخذ ربك - بلفظ الفعل. وقرئ إذ أخذ القرى (وهى ظالمة) حال من القرى (أليم شديد) وجيع صعب على المأخوذ، وهذا تحذير من وخامة عاقبة الظلم لكل أهل قرية ظالمة من كفار مكة وغيرها، بل لكل من ظلم غيره أو نفسه بذنب يقترفه، فعلى كل من أذنب أن يحذر أخذ ربه الأليم الشديد فيبادر التوبة ولا يغتر بالإمهال.
(ذلك) إشارة إلى ما قص الله من قصص الأمم الهالكة بذنوبهم (الآية لمن خاف) لعبرة له لأنه ينظر إلى ما أحل الله بالمجرمين في الدنيا، وما هو إلا أنموذج مما أعد لهم في الآخرة فإذا رأى عظمه وشدته اعتبر به عظم العذاب الموعود فيكون له عبرة وعظة ولطفا في زيادة التقوى والخشية من الله تعالى، ونحوه - إن في ذلك لعبرة لمن يخشى - (ذلك) إشارة إلى يوم القيامة لأن عذاب الآخرة دل عليه، و (الناس) رفع باسم المفعول الذي هو مجموع كما يرفع بفعله إذا قلت يجمع له الناس. فإن قلت: لأي فائدة أو ثر اسم المفعول على فعله؟ قلت: لما في اسم المفعول من دلالة على ثبات معنى الجمع لليوم، وأنه يوم لا بد من أن يكون ميعادا مضروبا لجمع الناس له، وأنه الموصوف بذلك صفة لازمة، وهو أثبت أيضا لإسناد الجمع إلى الناس وأنهم لا ينفكوا منه. ونظيره قول المتهدد: إنك لمنهوب مالك محروب قومك، فيه من تمكن الوصف وثباته ما ليس في الفعل، وإن شئت فوازن بينه وبين قوله - يوم يجمعكم ليوم الجمع - تعثر على صحة ما قلت لك. ومعنى يجمعون له: يجمعون لما فيه من الحساب والثواب والعقاب (يوم مشهود) مشهود فيه فاتسع في الظرف بإجرائه مجرى المفعول به كقوله * ويوم شهدناه سليما وعامرا * أي يشهد فيه الخلائق الموقف لا يغيب عنه أحد، والمراد بالمشهود الذي كثر شاهدوه، ومنه قولهم: لفلان مجلس مشهود وطعام محضور، قال * في محفل من نواصي الناس مشهود *. فإن قلت: فما منعك أن تجعل اليوم مشهودا في نفسه دون أن تجعله مشهودا فيه كما قال الله تعالى - فمن شهد منكم الشهر فليصمه -؟ قلت: الغرض
(٢٩٢)
مفاتيح البحث: الخوف (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 287 288 289 290 291 292 293 294 295 296 297 ... » »»