الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ٢٩٦
ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار وما لكم من دون الله من أولياء ثم لا تنصرون. وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل
____________________
قرئ ولا تركنوا بفتح الكاف وضمها مع فتح التاء. وعن أبي عمرو بكسر التاء وفتح الكاف على لغة ضم لكسرهم حروف المضارعة إلا الياء في كل ما كان من باب علم يعلم، ونحوه قراءة من قرأ - فتمسكم النار - بكسر التاء. وقرأ ابن أبي عبلة: ولا تركنوا على البناء للمفعول، من أركنه: إذا أماله، والنهى متناول للانحطاط في هواهم والانقطاع إليهم ومصاحبتهم ومجالستهم وزيارتهم ومداهنتهم والرضا بأعمالهم والتشبيه بهم والتزيي بزيهم ومد العين إلى زهرتهم وذكرهم بما فيه تعظيم لهم، وتأمل قوله - ولا تركنوا - فإن الركون هو الميل اليسير، وقوله (إلى الذين ظلموا) أي إلى الذين وجد منهم الظلم ولم يقل إلى الظالمين. وحكى أن الموفق صلى خلف الإمام فقرا بهذه الآية فغشى عليه، فلما أفاق قيل له، فقال: هذا فيمن ركن إلى من ظلم فكيف بالظالم؟ وعن الحسن رحمه الله: جعل الله الدين بين لاءين ولا تطغوا ولا تركنوا. ولما خالط الزهري السلاطين كتب إليه أخ له في الدين: عافانا الله وإياك أبا بكر من الفتن، فقد أصبحت بحال ينبغي لمن عرفك أن يدعو لك الله ويرحمك، وأصبحت شيخا كبيرا وقد أثقلتك نعم الله بما فهمك الله من كتابه وعلمك من سنة نبيه، وليس كذلك أخذ الله الميثاق على العلماء، قال الله سبحانه - لتبيننه للناس ولا تكتمونه - واعلم أن أيسر ما ارتكبت وأخف ما احتملت أنك آنست وحشة الظالم وسهلت سبيل الغى بدنوك ممن لم يؤد حقا ولم يترك باطلا حين أدناك، اتخذوك قطبا تدور عليك رحى باطلهم، وجسرا يعبرون عليك إلى بلائهم، وسلما يصعدون فيك إلى ضلالهم، يدخلون الشك بك على العلماء، ويقتادون بك قلوب الجهلاء، فما أيسر ما عمروا لك في جنب مخربوا عليك، وما أكثر ما أخذوا منك في جنب ما أفسدوا عليك من دينك، فما يؤمنك أن تكون ممن قال فيهم الله - فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا - فإنك تعامل من لا يجهل، ويحفظ عليك من لا يغفل، فداو دينك فقد دخله سقم، وهئ زادك فقد حضر السفر البعيد - وما يخفى على الله من شئ في الأرض ولا في السماء - والسلام. وقال سفيان: في جهنم واد لا يسكنه إلا القراء الزائرون للملوك. وعن الأوزاعي: ما من شئ أبعض إلى الله من عالم يزور عاملا.
وعن محمد بن مسلمة: الذباب على العذرة أحسن من قارئ على باب هؤلاء. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من دعا لظالم بالبقاء فقد أحب أن يعصى الله في أرضه). ولقد سئل سفيان عن ظالم أشرف على الهلاك في برية هل يسقى شربة ماء؟ فقال لا، فقيل له يموت، فقال: دعه يموت (وما لكم من دون الله من أولياء) حال من قوله فتمسكم: أي فتمسكم النار وأنتم على هذه الحال، ومعناه: وما لكم من دون الله من أنصار يقدرون على منعكم من عذابه لا يقدر على منعكم منه غيره (ثم لا تنصرون) ثم لا ينصركم هو لأنه وجب في حكمته تعذيبكم وترك الإبقاء عليكم. فإن قلت: فما معنى ثم؟ قلت: معناها الاستبعاد لأن النصرة من الله مستبعدة مع استيجابهم العذاب واقتضاء حكمته له (طرفي النهار) غدوة وعشية (وزلفا من الليل) وساعات من الليل وهى ساعاته القريبة من آخر النهار، من أزلفه إذا قربه وازدلف إليه. وصلاة الغدوة الفجر، وصلاة العشية الظهر والعصر، لأن ما بعد الزوال عشى، وصلاة الزلف المغرب والعشاء، وانتصاب طرفي النهار على الظرف لأنهما مضافان إلى الوقت
(٢٩٦)
مفاتيح البحث: الصّلاة (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 291 292 293 294 295 296 297 298 299 300 301 ... » »»