الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ٢٨٥
ما لكم من إله غيره ولا تنقصوا المكيال والميزان إني أراكم بخير وإني أخاف عليكم عذاب يوم محيط. ويا قوم أوفوا المكيال والميزان بالقسط ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين. بقية الله خير لكم إن كنتم مؤمنين
____________________
إلا أنها إذا هوت منها فهي أسرع شئ لحوقا بالمرمى فكأنها بمكان قريب منه (إني أراكم بخير) يريد بثروة وسعة تغنيكم عن التطفيف، أو أراكم بنعمة من الله حقها أن تقابل بغير ما تفعلون، أو أراكم بخير فلا تزيلوه عنكم بما أنتم عليه كقول مؤمن آل فرعون - يا قوم لكم الملك اليوم ظاهرين في الأرض فمن ينصرنا من بأس الله إن جاءنا - (يوم محيط) مهلك من قوله - وأحيط بثمره - وأصله من إحاطة العدو. فإن قلت: وصف العذاب بالإحاطة أبلغ أم وصف ليوم بها؟ قلت: بل وصف اليوم بها لأن اليوم زمان يشتمل على الحوادث، فإذا أحاط بعذابه فقد اجتمع للمعذب ما اشتمل عليه منه كما إذا أحاط بنعيمه. فإن قلت: النهى عن النقصان أمر بالإيفاء فما فائدة قوله أوفوا؟ قلت: نهوا أولا عن عين القبيح الذي كانوا عليه من نقص المكيال والميزان، لأن في التصريح بالقبيح نعيا على المنهى وتعبيرا له، ثم ورد الأمر بالإيفاء الذي هو حسن في العقول مصرحا بالفظة لزيادة ترغيب فيه وبعث عليه وجئ به مقيدا بالقسط: أي ليكن الإيفاء على وجه العدل والتسوية من غير زيادة ولا نقصان أمرا بما هو الواجب لأن ما جاوز العدل فضل، وأمر مندوب إليه وفيه توقيف على أن الموفى عليه أن ينوى بالوفاء القسط، لأن الإيفاء وجه حسنه أنه قسط وعدل، فهذه ثلاث فوائد. والبخس: الهضم والنقص، ويقال للمكس البخس، قال زهير: * وفى كل ما باع امرؤ بخس درهم * وروى مكس درهم، وكانوا يأخذون من كل شئ يباع شيئا كما تفعل السماسرة أو كانوا يمكسون الناس أو كانوا ينقصون من أثمان ما يشترون من الأشياء فنهوا عن ذلك.
والعثي في الأرض نحو السرقة والغارة وقطع السبيل، ويجوز أن يجعل التطفيف والبخس عثيا منهم في الأرض (بقيت الله) ما يبقى لكم من الحلال بعد التنزه عما هو حرام عليكم (خير لكم إن كنتم مؤمنين) بشرط أن تؤمنوا وإنما خوطبوا بترك التطفيف والبخس والفساد في الأرض وهم كفرة بشرط الإيمان. فإن قلت: بقية الله خير
(٢٨٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 280 281 282 283 284 285 286 287 288 289 290 ... » »»