الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ٢٨٩
وإنا لنراك فينا ضعيفا ولولا رهطك لرجمناك وما أنت علينا بعزيز. قال يا قوم أرهطي أعز عليكم من الله واتخذتموه وراءكم ظهريا، إن ربى بما تعملون محيط ويا قوم اعملوا على مكانتكم إني عامل سوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ومن هو كاذب
____________________
(فينا ضعيفا) لا قوة لك ولا عز فيما بيننا، فلا تقدر على الامتناع منا إن أردنا بك مكروها. وعن الحسن ضعيفا مهينا، وقيل ضعيفا أعمى، وحمير تسمى المكفوف ضعيفا كما يسمى ضريرا، وليس بسديد لأن (فينا) يأباه، ألا ترى أنه لو قيل إنا لتراك فينا أعمى، لم يكن كلاما لأن الأعمى أعمى فيهم وفى غيرهم، ولذلك قللوا قومه حيث جعلوهم رهطا. والرهط من الثلاثة إلى العشرة. وقيل إلى السبعة، وإنما قالوا ولولاهم احتراما لهم واعتدادا بهم لأنهم كانوا على ملتهم لا خوفا من شوكتهم وعزتهم (لرجمناك) لقتلناك شر قتلة (وما أنت علينا بعزيز) أي لا تعز علينا ولا تكرم حتى نكرمك من القتل ونرفعك عن الرجم، وإنما يعز علينا رهطك لأنهم من أهل ديننا لم يختاروك علينا ولم يتبعوك دوننا، وقد دل إيلاء ضميره حرف النفي على أن الكلام واقع في الفاعل لا في الفعل كأنه قيل: وما أنت علينا بعزيز، بل رهطك هم الأعزة علينا، ولذلك قال في جوابهم (أرهطي أعز عليكم من الله) ولو قيل وما عززت علينا لم يصح هذا الجواب. فإن قلت: فالكلام واقع فيه وفى رهطه وإنهم الأعزة عليهم دونه، فكيف صح قوله أرهطي أعز عليكم من الله؟ قلت: تهاونهم به وهو نبي الله تهاون بالله، فحين عز عليهم رهطه دونه كان رهطه أعز عليهم من الله، إلا ترى إلى قوله تعالى - من يطع الرسول فقد أطاع الله - (واتخذتموه وراءكم ظهريا) ونسيتموه وجعلتموه كالشئ المنبوذ وراء الظهر لا يعبأ به. والظهري منسوب إلى الظهر والكسر من تغييرات النسب ونظيره قولهم في النسبة إلى أمس أمسى (بما تعملون محيط) قد أحاط بأعمالكم علما فلا يخفى عليه شئ منها (على مكانتكم) لا تخلو المكانة من أن تكون بمعنى المكان، يقال مكان، ومكانة ومقام ومقامة، أو تكون مصدرا من مكن مكانة فهو مكين. والمعنى اعملوا قارين على جهتكم التي أنتم عليها من الشرك والشنآن لي أو اعملوا متمكنين من عداوتي مطيقين لها (إني عامل) على حسب ما يؤتيني الله النصرة والتأييد ويمكنني (من يأتيه) يجوز أن تكون من استفهامية معلقة لفعل العلم عن عمله فيها كأنه قيل سوف تعلمون أينا يأتيه عذاب يخزيه وأينا هو كاذب وأن تكون موصولة قد عمل فيها كأنه قيل سوف تعلمون الشقى الذي يأتيه عذاب يخزيه والذي هو كاذب. فان قلت: أي فرق بين إدخال الفاء ونزعها في سوف تعلمون. قلت: إدخال الفاء وصل ظاهر بحرف موضوع للوصل ونزعها وصل خفى تقديري بالاستئناف الذي هو جواب لسؤال مقدر كأنهم قالوا فماذا يكون إذا عملنا
(٢٨٩)
مفاتيح البحث: العزّة (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 284 285 286 287 288 289 290 291 292 293 294 ... » »»