الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ٢٩٠
وارتقبوا إني معكم رقيب. ولما جاء أمرنا نجينا شعيبا والذين آمنوا معه برحمة منا وأخذت الذين ظلموا الصيحة فأصبحوا في ديارهم جاثمين. كأن لم يغنوا فيها ألا بعدا لمدين
____________________
نحن على مكانتنا وعملت أنت فقال سوف تعلمون فوصل تارة بالفاء وتارة بالاستئناف للتفنن في البلاغة كما هو عادة بلغاء العرب وأقوى الوصلين وأبلغهما الاستئناف وهو باب من أبواب علم البيان تتكاثر محاسنه (وارتقبوا) وانتظروا العاقبة وما أقول لكم (إني معكم رقيب) أي منتظر. والرقيب بمعنى الراقب من رقبه كالضريب والصريم بمعنى الضارب والصارم أو بمعنى المراقب كالعشير والنديم أو بمعنى المرتقب كالفقير والرفيع بمعنى المفتقر والمرتفع.
فإن قلت: قد ذكر عملهم على مكانتهم وعمله على مكانته ثم أتبعه ذكر عاقبة العاملين منه ومنهم فكان القياس أن يقول من يأتيه عذاب يخزيه ومن هو صادق حتى ينصرف من يأتيه يخزيه إلى الجاحدين، ومن هو صادق إلى النبي المبعوث إليهم. قلت: القياس ما ذكرت ولكنهم لما كانوا يدعون كاذبا قال ومن هو كاذب، يعنى ثم في زعمكم ودعواكم تجهيلا لهم. فإن قلت: ما بال ساقتي قصة عاد وقصة مدين جاءتا بالواو والساقتان الوسطيان بالفاء. قلت: قد وقعت الوسطيان بعد ذكر الوعد وذلك قوله (إن موعدهم الصبح - ذلك وعد غير مكذوب) فجئ بالفاء الذي هو للتسبب كما تقول وعدته فلما جاء الميعاد كان كيت وكيت، وأما الأخريان فلم يقعا بتلك المثابة وإنما وقعتا مبتدأتين فكان حقهما أن تعطفا بحرف الجمع على ما قبلهما كما تعطف قصة على قصة. الجاثم اللازم لمكانه لا يريم كاللابد. يعنى أن جبريل صاح بهم صيحة فزهق روح كل واحد منهم بحيث هو قعصا (كأن لم يغنوا) كأن لم يقيموا في ديارهم أحياء متصرفين مترددين. البعد بمعنى البعد وهوا الهلاك كالرشد
(٢٩٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 285 286 287 288 289 290 291 292 293 294 295 ... » »»