الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ٢٨٤
إنا رسل ربك لن يصلوا إليك فأسر بأهلك بقطع من الليل ولا يلتفت منكم أحد إلا امرأتك إنه مصيبها ما أصابهم إن موعدهم الصبح، أليس الصبح بقريب فلما جاء أمرنا جعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليها حجارة من سجيل منضود. مسومة عند ربك وما هي من الظالمين ببعيد. وإلى مدين أخاهم شعيبا قال يا قوم اعبدوا الله
____________________
* للبس عباءة وتقر عيني * وقرئ إلى ركن بضمتين. وروى أنه أغلق بابه حين جاءوا وجعل يرادهم ما حكى الله عنه ويجادلهم فتسوروا الجدار. فلما رأت الملائكة ما لقى لوط من الكرب قالوا: يا لوط إن ركنك لشديد (إنا رسل ربك لن يصلوا إليك) فافتح الباب ودعنا وإياهم، فافتح الباب فدخلوا، فاستأذن جبريل عليه السلام ربه في عقوبتهم فأذن له، فقام في الصورة التي يكون فيها فنشر جناحه وله جناحان وعليه وشاح من در منظوم وهو براق الثنايا، فضرب بجناحه وجوههم فطمس أعينهم فأعماهم كما قال الله تعالى - فطمسنا أعينهم - فصاروا لا يعرفون الطريق، فخرجوا وهم يقولون النجاء النجاء، فإن في بيت لوط قوما سحرة. لن يصلوا إليكم جملة موضحة للتي قبلها لأنهم إذا كانوا رسل الله لم يصلوا إليه ولم يقدروا على ضرره. وقرئ فاسر بالقطع والوصل وإلا امرأتك بالرفع والنصب. وروى أنه قال لهم: متى موعد هلاكهم؟ قالوا: الصبح، فقال: أريد أسرع من ذلك فقالوا (أليس الصبح بقريب) وقرئ الصبح بضمتين. فإن قلت: ما وجه قراءة من قرأ إلا امرأتك بالنصب.
قلت: استثناها من قوله - فأسر بأهلك - والدليل عليه قراءة عبد الله فاسر باهلك بقطع من الليل إلا امرأتك. ويجوز أن ينتصب عن لا يلتفت على أصل الاستثناء وإن كان الفصيح هو البدل، أعني قراءة من قرأ بالرفع فابدلها عن أحد، وفى إخراجها مع أهله روايتان: روى أنه أخرجها معهم وأمر أن لا يلتفت منهم أحد إلا هي، فلما سمعت هدة العذاب التفتت وقالت يا قوماه فأدركها حجر فقتلها. وروى أنه أمر بأن يخلفها مع قومها فإن هواها إليهم فلم يسر بها، واختلاف القراءتين لاختلاف الروايتين (جعلنا عاليها سافلها) جعل جبريل جناحه في أسفلها ثم رفعها إلى السماء حتى سمع أهل السماء نباح الكلاب وصياح الديكة ثم قلبها عليهم، وأتبعوا الحجارة من فوقهم (من سجيل) قيل هي كلمة معربة من سنككل بدليل قوله - حجارة من طين - وقيل هي من أسجله إذا أرسله لأنها ترسل على الظالمين، ويدل عليه قوله - لنرسل عليهم حجارة - وقيل مما كتب الله أن يعذب به من السجل وسجل لفلان (منضود) نضد في السماء نضدا معدا للعذاب. وقيل يرسل بعضه في أثر بعض متتابعا (مسومة) معلمة للعذاب. وعن الحسن رضي الله عنه: كانت معلمة ببياض وحمرة، وقيل عليها سيما يعلم بها أنها ليست من حجارة الأرض، وقيل مكتوب على كل واحد اسم من يرمى به (وما هي) من كل ظالم ببعيد وفيه وعيد لأهل مكة.
وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم (أنه سال جبريل عليه السلام قفال: يعنى ظالمي أمتك، ما من ظالم منهم إلا وهو بعرض حجر يسقط عليه من ساعة إلى ساعة). وقيل الضمير للقرى: أي هي قريبة من ظالمي مكة يمرون بها في مسايرهم (ببعيد) بشئ بعيد، ويجوز أن يراد وما هي بمكان بعيد لأنها وإن كانت في السماء وهى مكان بعيد،
(٢٨٤)
مفاتيح البحث: الظلم (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 279 280 281 282 283 284 285 286 287 288 289 ... » »»