الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ٢٨٧
إنك لأنت الحليم الرشيد. قال يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربى ورزقني منه رزقا حسنا وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت
____________________
الذي هو التكليف، لأن الإنسان لا يؤمر بفعل غيره. وقرئ أصلاتك بالتوحيد. وقرأ ابن أبي عبلة: أو أن تفعل في أموالنا ما تشاء بتاء الخطاب فيهما، وهو ما كان يأمرهم به من ترك التطفيف والبخس والاقتناع بالحلال القليل من الحرام الكثير، وقيل كان ينهاهم عن حذف الدراهم والدنانير وتقطيعها، وأرادوا بقولهم (إنك لأنت الحليم الرشيد) نسبته إلى غاية السفة والغى، فعكسوا ليتهكموا به كما يتهكم بالشحيح الذي لا يبض حجره فيقال له: لو أبصرك حاتم لسجد لك، وقيل معناه: إنك للمتواصف بالحلم والرشد في قومك: يعنون أن ما تأمر به لا يطابق حالك وما شهرت به (ورزقني منه) أي من لدنه (رزقا حسنا) وهو ما رزقه من النبوة والحكمة، وقيل رزقا حسنا حلالا طيبا من غير بخس ولا تطفيف. فإن قلت: أين جواب أرأيتم وماله لم يثبت كما أثبت في قصة نوح ولوط؟
قلت: جوابه محذوف، وإنما لم يثبت لأن إثباته في القصتين دل على مكانه، ومعنى الكلام ينادى عليه. والمعنى:
أخبروني إن كنت على حجة واضحة ويقين من ربى وكنت نبيا على الحقيقة، أيصح لي أن لا آمركم بترك عبادة الأوثان والكف عن المعاصي والأنبياء لا يبعثون إلا لذلك. يقال خالفني فلان إلى كذا: إذا قصده، وأنت مول عنه وخالفني عنه: إذا ولى عنه، وأنت قاصده ويلقاك الرجل صادرا عن الماء فتسأله عن صحابه فيقول خالفني إلى الماء: يريد أنه قد ذهب إليه واردا وأنا ذاهب عنه صادرا، ومنه قوله تعالى - وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه - يعنى أن أسبقكم إلى شهواتكم التي نهيتكم عنها لأستبد بها دونكم (إن أريد إلا الإصلاح) ما أريد إلا أن أصلحكم بموعظتي ونصيحتي وأمري بالمعروف ونهى عن المنكر (ما استطعت) ظرف:
أي مدة استطاعتي للإصلاح، وما دمت متمكنا منه لا آلو فيه جهدا، أو بدل من الإصلاح: أي المقدار الذي استطعته منه، ويجوز أن يكون على تقدير حذف المضاف على قولك: إلا الإصلاح إصلاح ما استطعت، أو مفعول له كقوله: * ضعيف النكاية أعداءه * أي ما أريد إلا أن أصلح ما استطعت إصلاحه من فاسدكم
(٢٨٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 282 283 284 285 286 287 288 289 290 291 292 ... » »»