الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ٢٨٢
مجيد. فلما ذهب عن إبراهيم الروع وجاءته البشرى يجادلنا في قوم لوط. إن إبراهيم لحليم أواه منيب. يا إبراهيم أعرض عن هذا إنه قد جاء أمر ربك وإنهم آتيهم عذاب غير مردود. ولما جاءت رسلنا لوطا سئ بهم وضاق بهم ذرعا وقال هذا يوم عصيب. وجاءه قومه يهرعون إليه ومن قبل كانوا يعملون السيئات
____________________
فاعل ما يستوجب به الحمد من عباده (مجيد) كريم كثير الإحسان إليهم. وأهل البيت نصب على النداء أو على الاختصاص، لأن أهل البيت مدح لهم إذ المراد أهل بيت خليل الرحمن (الروع) ما أوجس من الخيفة حين نكر أضيافة. والمعنى: أنه لما اطمأن قلبه بعد الخوف وملئ سرورا بسبب البشرى بدل الغم فرغ للمجادلة. فإن قلت: أين جواب لما: قلت: هو محذوف كما حذف في قوله - فلما ذهبوا به وأجمعوا - وقوله (يجادلنا) كلام مستأنف دال على الجواب وتقديره اجترأ على خطابنا أو فطن لمجادلتنا أو قال كيت وكيت، ثم ابتدأ فقال - يجادلنا في قوم لوط - وقيل في يجادلنا هو جواب لما وإنما جئ به مضارعا لحكاية الحال. وقيل إن لما ترد المضارع إلى معنى الماضي كما ترد إن الماضي إلى معنى الاستقبال. وقيل معناه: أخذ يجادلنا وأقبل يجادلنا. والمعنى: يجادل رسلنا، ومجادلته إياهم أنهم قالوا: أنا مهلكوا أهل هذه القرية فقال: أرأيتم لو كان فيها خمسون رجلا من المؤمنين أتهلكونها؟ قالوا لا، قال فأربعون؟ قالوا لا، قال فثلاثون؟ قالوا حتى بلغ العشرة قالوا لا، قال: أرأيتم إن كان فيها رجل واحد مسلم أتهلكونها؟ قالوا لا، فعند ذلك - قال إن فيها لوطا قالوا نحن أعلم بمن فيها لننجينه وأهله - (في قوم لوط) في معناهم. وعن ابن عباس قالوا له: إن كان فيها خمسة يصلون رفع عنهم العذاب. وعن قتادة: ما قوم لا يكون فيهم عشرة فيهم خير. وقيل كان فيهم أربعة آلاف ألف إنسان (إن إبراهيم لحليم) غير عجول على كل من أساء إليه (أواه) كثير التأوه من الذنوب (منيب) تائب راجع إلى الله بما يحب ويرضى وهذه الصفات دالة على رقة القلب والرأفة والرحمة، فبين أن ذلك مما حمله على المجادلة فيهم رجاء أن يرفع عنهم العذاب ويمهلوا لعلهم يحدثون التوبة والإنابة كما حمله على الاستغفار لأبيه (يا إبراهيم) على إرادة القول: أي قالت له الملائكة (أعرض عن هذا) الجدال وإن كانت الرحمة ديدنك فلا فائدة فيه (إنه قد جاء أمر ربك) وهو قضاؤه وحكمه الذي لا يصدر إلا عن صواب وحكمة، والعذاب نازل بالقوم لا محالة لا مرد له بجدال ولا دعاء ولا غير ذلك. كانت مساءة لوط وضيق ذرعة، لأنه حسب أنهم إنس فخاف عليهم خبث قومه وأن يعجز عن مقاومتهم ومدافعتهم. وروى أن الله تعالى قال لهم: لا تهلكوهم حتى يشهد عليهم لوط أربع شهادات، فلما مشى معهم منطلقا بهم إلى منزله قال لهم: أما بلغكم أمر هذه القرية؟ قالوا: وما أمرهم؟ قال: أشهد بالله إنها لشر قرية في الأرض عملا، يقول ذلك أربع مرات، فدخلوا معه منزله ولم يعلم ذلك أحد، فخرجت امرأته فأخبرت بهم قومها. يقال يوم عصيب وعصوصب إذا كان شديدا، من قولك عصبه إذا شده (يهرعون) يسرعون كأنما يدفعون دفعا (ومن قبل كانوا يعملون السيئات) ومن قبل ذلك الوقت كانوا يعملون الفواحش ويكثرونها فضروا بها ومرنوا عليها وقل عندهم استقباحها، فلذلك جاءوا يهرعون مجاهرين لا يكفهم حياء. وقيل
(٢٨٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 277 278 279 280 281 282 283 284 285 286 287 ... » »»