الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ٢٤٣
ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين. ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون. الذين آمنوا وكانوا يتقون. لهم البشرى في الحياة الدنيا وفى الآخرة لا تبديل لكلمات الله ذلك هو الفوز العظيم ولا يحزنك قولهم إن العزة لله جميعا
____________________
قرئ بالضم والكسر: وما يبعد وما يغيب، ومنه الروض العازب (ولا أصغر من ذلك ولا أكبر) القراءة بالنصب والرفع، والوجه النصب على نفى الجنس والرفع على الابتداء ليكون كلاما برأسه، وفى العطف على محل من مثقال ذرة، أو على لفظ مثقال ذره فتحا في موضع الجر لامتناع الصرف إشكال، لأن قولك لا يعزب عنه شئ إلا في كتاب مشكل. فإن قلت: لم قدمت الأرض على السماء بخلاف قوله في سورة سبأ - عالم الغيب لا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض -؟ قلت: حق السماء بخلاف أن تقدم على الأرض، ولكنه لما ذكر شهادته على شؤون أهل الأرض وأحوالهم وأعمالهم ووصل بذلك قوله لا يعزب عنه لاءم ذلك أن قدم الأرض على السماء على أن العطف بالواو حكمه حكم التثنية (أولياء الله) الذين يتولونه بالطاعة ويتولاهم بالكرامة، وقد فسر ذلك في قوله (الذين آمنوا وكانوا يتقون) فهو توليهم إياه (لهم البشرى في الحياة الدنيا وفى الآخرة) فهو توليه إياهم وعن سعيد بن جبير (آن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل من أولياء الله؟ فقال: هم الذين يذكر الله برؤيتهم) يعنى السمت والهيئة. وعن ابن عباس رضي الله عنهما: الإخبات والسكينة. وقيل هم المتحابون في الله. وعن عمر رضي الله عنه (سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: إن من عباد الله عبادا ما هم بأنبياء ولا شهداء، يغبطهم الأنبياء والشهداء يوم القيامة لمكانهم من الله، قالوا: يا رسول الله خبرنا من هم وما أعمالهم فلعلنا نحبهم، قال: هم قوم تحابوا في الله على غير أرحام بينهم ولا أموال يتعاطونها، فوالله إن وجوههم لنور، وإنهم لعلى منابر من نور لا يخافون إذا خاف الناس ولا يحزنون إذا حزن الناس، ثم قرأ الآية) (الذين آمنوا) نصب أو رفع على المدح أو على وصف الأولياء أو على الابتداء والخبر لهم البشرى، والبشرى في الدنيا ما بشر الله به المؤمنين المتقين في غير مكان من كتابه. وعن النبي صلى الله عليه وسلم (هي الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو ترى له). وعنه عليه الصلاة والسلام (ذهبت النبوة وبقيت المبشرات). وقيل هي محبة الناس، له والذكر الحسن، وعن أبي ذر (قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: الرجل يعمل العمل لله ويحبه الناس فقال: تلك عاجل بشرى المؤمن).
وعن عطاء (لهم البشرى عند الموت تأتيهم الملائكة بالرحمة، قال الله تعالى (تتنزل عليهم الملائكة أن لا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة)) وأما البشرى في الآخرة فتلقى الملائكة إياهم مسلمين مبشرين بالفوز والكرامة، وما يرون من بياض وجوههم وإعطاء الصحائف بأيمانهم، وما يقرءون منها وغير ذلك من البشارات (لا تبديل لكلمات الله) لا تغيير لأقواله ولا إخلاف لمواعيده كقوله تعالى - ما يبدل القول لدى - و (ذلك) إشارة إلى كونهم مبشرين في الدارين، وكلتا الجملتين اعتراض (ولا يحزنك) وقرئ ولا يحزنك من أحزنه (قولهم) تكذيبهم لك وتهديدهم وتشاورهم في تدبير هلاكك وإبطال أمرك وسائر ما يتكلمون به في شأنك (إن العزة لله) واستئناف بمعنى التعليل
(٢٤٣)
مفاتيح البحث: الخوف (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 238 239 240 241 242 243 244 245 246 247 248 ... » »»