الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ٢٤٠
ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين. قل لا أملك لنفسي ضرا ولا نفعا إلا ما شاء الله لكل أمة أجل إذا جاء أجلهم فلا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون. قل أرأيتم إن أتاكم عذابه بياتا أو نهارا ماذا يستعجل منه المجرمون. أثم إذا ما وقع آمنتم به الآن وقد كنتم به تستعجلون.
____________________
كقوله - وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا - أو لكل أمة من الأمم يوم القيامة رسول تنسب إليه وتدعى به، فإذا جاء رسولهم الموقف ليشهد عليهم بالكفر والإيمان كقوله تعالى - وجئ بالنبيين والشهداء وقضى بينهم بالحق - (متى هذا الوعد) استعجال لما وعدوا من العذاب استبعادا له (لا أملك لنفسي ضرا) من مرض أو فقر (ولا نفعا) من صحة أو غنى (إلا ما شاء الله) استثناء منقطع: أي ولكن ما شاء الله من ذلك كائن، فكيف أملك لكم الضر وجلب العذاب (لكل أمة أجل) يعنى أن عذابكم له أجل مضروب عند الله وحد محدود من الزمان (إذا جاء) ذلك الوقت أنجز وعدكم لا محالة فلا تستعجلوا. وقرأ ابن سيرين (فإذا جاء آجالهم) (بياتا) نصب على الظرف بمعنى وقت بيان. فإن قلت: هلا قيل ليلا أو نهارا؟ قلت: لأنه أريد إن أتاكم عذابه وقت بيات فبيتكم وأنتم ساهون نائمون لا تشعرون كما يبيت العدو المباغت، والبيات بمعنى التبييت كالسلام بمعنى التسليم، وكذلك قوله (نهارا) معناه في وقت أنتم فيه مشتغلون بطلب المعاش والكسب ونحوه بياتا - - وهم نائمون - ضحى وهم يلعبون، الضمير في (منه) للعذاب. والمعنى: أن العذاب كله مكروه مر المذاق موجب للنفار، فأي شئ يستعجلون منه وليس شئ منه يوجب الاستعجال، ويجوز أن يكون معناه التعجب كأنه قيل: أي شئ هول شديد يستعجلون منه، ويجب أن تكون من للبيان في هذا الوجه. وقيل الضمير في منه لله تعالى. فإن قلت: بم تعلق الاستفهام وأين جواب الشرط؟ قلت: تعلق بأرأيتم لأن المعنى: أخبروني ماذا يستعجل منه المجرمون، وجواب الشرط محذوف وهو تندموا على الاستعجال أو تعرفوا الخطأ فيه. فإن قلت: فهلا قيل ماذا تستعجلون منه؟ قلت: أريدت الدلالة على موجب ترك الاستعجال وهو الإجرام، لأن من حق المجرم أن يخاف التعذيب على إجرامه ويهلك فزعا من مجيئه وإن أبطأ فضلا أن يستعجله ويجوز أن يكون - ماذا يستعجل منه المجرمون - جوابا للشرط كقولك: إن أتيتك ماذا تطعمني؟ ثم تتعلق الجملة بأرأيتم، وأن يكون (أثم إذا ما وقع آمنتم به) جواب الشرط و- ماذا يستعجل منه المجرمون - اعتراضا. والمعنى: إن أتاكم عذابه آمنتم به بعد وقوعه حين لا ينفعكم الإيمان، ودخول حرف الاستفهام على ثم كدخوله على الواو والفاء في قوله - أفأمن أهل القرى - أو أمن أهل القرى - (آلآن) على إرادة القول:
أي قيل لهم إذا آمنوا بعد وقوع العذاب: آلآن آمنتم به (وقد كنتم به تستعجلون) يعنى وقد كنتم به تكذبون،
(٢٤٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 235 236 237 238 239 240 241 242 243 244 245 ... » »»