الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ٢٣٢
من كل مكان وظنوا أنهم أحيط بهم دعوا الله مخلصين له الدين، لئن أنجيتنا من هذه لنكونن من الشاكرين. فلما أنجاهم إذا هم يبغون في الأرض بغير الحق،
____________________
(من كل مكان) من جميع أمكنة الموج (أحيط بهم) أي أهلكوا جعل إحاطة العدو بالحي مثلا في الهلاك (مخلصين له الدين) من غير إشراك به لأنهم لا يدعون حينئذ غيره معه (لئن أنجيتنا) على إرادة القول، أو لأن دعوا من جملة القول (يبغون في الأرض) يفسدون فيها ويعبثون متراقين في ذلك ممعنين فيه من قولك بغى الجرح إذا ترامى إلى الفساد. فإن قلت: فما معنى قوله (بغير الحق) والبغي لا يكون بحق؟ قلت: بلى وهو استيلاء المسلمين على أرض الكفرة وهدم دورهم وإحراق زروعهم وقطع أشجارهم كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ببنى قريظة. قرئ متاع الحياة الدنيا بالنصب. فإن قلت: ما الفرق بين القراءتين؟ قلت: إذا رفعت كان المتاع خبرا للمبتدأ الذي هو بغيكم، وعلى أنفسكم صلته كقوله - فبغى عليهم - ومعناه: إنما بغيكم على أمثالكم والذين جنسهم جنسكم: يعنى بغى بعضكم على بعض منفعة الحياة الدنيا لا بقاء لها، وإذا نصبت فعلى أنفسكم خبر غير صلة معناه: إنما بغيكم وبال على أنفسكم، ومتاع الحياة الدنيا في موضع المؤكد كأنه قيل: تتمتعون متاع الحياة الدنيا، ويجوز أن يكون الرفع على هو متاع الحياة الدنيا بعد تمام الكلام. وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (لا تمكر ولا تغن ماكرا، ولا تبغ ولا تعن باغيا، ولا تنكث ولا تعن ناكثا وكان يتلوها). وعنه عليه الصلاة والسلام (أسرع الخير ثوابا صلة الرحم، وأعجل الشر عقابا البغى واليمين الفاجرة). وروى (ثنتان يعجلهما الله تعالى في الدنيا: البغى، وعقوق الوالدين) وعن ابن عباس رضي الله عنهما (لو بغى جبل على جبل لدك الباغي) وكان المأمون يتمثل بهذين البيتين في أخيه: يا صاحب البغى إن البغى مصرعة * فأربع فخير فعال المرء أعدله فلو بغى جبل يوما على جبل * لاندك منه أعاليه وأسفله
(٢٣٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 227 228 229 230 231 232 233 234 235 236 237 ... » »»