الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ٢٤٧
قالوا إن هذا لسحر مبين. قال موسى أتقولون للحق لما جاءكم أسحر هذا ولا يفلح الساحرون. قالوا أجئتنا لتلفتنا عما وجدنا عليه آباءنا وتكون لكما الكبرياء في الأرض وما نحن لكما بمؤمنين. وقال فرعون ائتوني بكل ساحر عليم فلما جاء السحرة قال لهم موسى ألقوا ما أنتم ملقون. فلما ألقوا قال موسى ما جئتم به السحر
____________________
وأنه من عند الله لا من قبل موسى وهرون (قالوا) لحبهم الشهوات (إن هذا لسحر مبين) وهم يعلمون أن الحق أبعد شئ من السحر الذي ليس إلا تمويها وباطلا. فإن قلت: هم قطعوا بقولهم إن هذا لسحر مبين على أنه سحر، فكيف قيل لهم أتقولون أسحر هذا؟ قلت: فيه أوجه أن يكون معنى قوله (أتقولون للحق) أتعيبونه وتطعنون فيه وكان عليكم أن تذعنوا له وتعظموه من قولهم: فلان يخاف القالة وبين الناس تقاول إذا قال بعضهم لبعض ما يسوءه ونحو القول الذكر في قوله - سمعنا في يذكرهم - ثم قال (أسحر هذا) فأنكر ما قالوه في عيبه والطعن عليه، وأن يحذف مفعول أتقولون وهو ما دل عليه قولهم: إن هذا لسحر مبين، كأنه قيل: أتقولون ما تقولون: يعنى قولهم إن هذا لسحر مبين، ثم قيل أسحر هذا، وأن يكون جملة قوله - أسحر هذا ولا يفلح الساحرون - حكاية لكلامهم كأنهم قالوا: أجئتما بالسحر تطلبان به الفلاح (ولا يفلح الساحرون) كما قال موسى للسحرة: ما جئتم به السحر إن الله سيبطله (لتلفتنا) لتصرفنا واللفت والفتل أخوان ومطاوعهما الالتفات والانفتال (عما وجدنا عليه آباءنا) يعنون عبادة الأصنام (وتكون لكما الكبرياء) أي الملك لأن الملوك موصوفون بالكبر، ولذلك قيل للملك الجبار ووصف بالصيد والشوص، ولذلك وصف ابن الرقيات مصعبا في قوله:
ملكه ملك رأفة ليس فيه * جبروت منه ولا كبرياء بنفي ما عليه الملوك من ذلك، ويجوز أن يقصدوا ذمهما وأنهما إن ملكا أرض مصر تجبرا وتكبرا كما قال القبطي لموسى عليه السلام - إن تريد إلا أن تكون جبارا في الأرض - (وما نحن لكما بمؤمنين) أي مصدقين لكما فيما جئتما به. وقرئ يطبع ويكون لكما بالياء (ما جئتم به) ما موصولة واقعة مبتدأ، و (السحر) خبر: أي الذي جئتم به هو السحر لا الذي سماه فرعون وقومه سحرا من آيات الله، وقرئ: آلسحر على الاستفهام فعلى هذه القراءة
(٢٤٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 242 243 244 245 246 247 248 249 250 251 252 ... » »»