الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ٢٤١
ثم قيل للذين ظلموا ذوقوا عذاب الخلد هل تجزون إلا بما كنتم تكسبون ويستنبئونك أحق هو قل أي وربى إنه لحق وما أنتم بمعجزين. ولو أن لكل نفس ظلمت ما في الأرض لافتدت به وأسروا الندامة لما رأوا العذاب وقضى بينهم بالقسط وهم لا يظلمون. ألا إن لله ما في السماوات والأرض ألا إن وعد الله حق ولكن أكثرهم لا يعلمون. هو يحيى ويميت وإليه ترجعون. يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا
____________________
لأن استعجالهم كان على جهة التكذيب والإنكار. وقرئ آلآن بحذف الهمزة التي بعد اللام والفاء حركتها على اللام (ثم قيل للذين ظلموا) عطف على قيل المضمر قبل آلآن (ويستنبؤنك) ويستخبرونك فيقولون (أحق هو) وهو استفهام على جهة الإنكار والاستهزاء. وقرأ الأعمش آلحق هو، وهو أدخل في الاستهزاء لتضمنه معنى التعريض بأنه باطل، وذلك أن اللام للجنس فكأنه قيل: أهو الحق لا الباطل، أو هو الذي سميتموه الحق والضمير للعذاب الموعود، و (أي) بمعنى نعم في القسم خاصة كما كان هل بمعنى قد في الاستفهام خاصة، وسمعتهم يقولون في التصديق أيو فيصلونه بواو القسم ولا ينطقون به وحده (وما أنتم بمعجزين) بفائتين العذاب وهو لاحق بكم لا محالة (ظلمت) صفة لنفس على: ولو أن لكل نفس ظالمة (ما في الأرض) أي ما في الدنيا اليوم من خزائنها وأموالها وجميع منافعها على كثرتها (لافتدت به) لجعلته فدية لها، يقال فداه فافتدى، ويقال افتداه أيضا بمعنى فداه (وأسروا الندامة لما رأوا العذاب) لأنهم بهتوا لرؤيتهم مالم يحتسبوه ولم يخطر ببالهم، وعاينوا من شدة الأمر وتفاقمه ما سلبهم قواهم وبهرهم فلم يطيقوا عنده بكاء ولا صراخا، ولا ما يفعله الجازع سوى إسرار الندم والحسرة في القلوب كما ترى المقدم للصلب يثخنه ما دهمه من فظاعة الخطب ويغلب حتى لا ينبس بكلمة ويبقى جامدا مبهوتا.
وقيل أسر رؤساؤهم الندامة من سفلتهم الذين أضلوهم حياء منهم وخوفا من توبيخهم. وقيل أسروها أخلصوها، إما لأن إخفاءها إخلاصا، وإما من قولهم سر الشئ لخالصه، وفيه تهكم بهم وبإخطائهم وقت إخلاص الندامة.
وقيل أسروا الندامة: أظهروها من قولهم أسر الشئ وأشره إذا أظهره وليس هناك تجلد (وقضى بينهم) أي بين الظالمين والمظلومين دل على ذلك ذكر الظلم. ثم أتبع ذلك الإعلام بأن له الملك كله وأنه المثيب والمعاقب، وما وعده من الثواب والعقاب فهو حق، وهو القادر على الإحياء والإماتة لا يقدر عليهما غيره، وإلى حسابه وجزائه المرجع ليعلم أن الأمر كذلك فيخاف ويرجى ولا يغتر به المغترون (قد جاءتكم موعظة) أي قد جاءكم كتاب جامع لهذه الفوائد من موعظة وتنبيه على التوحيد (و) هو (شفاء) أي دواء لما في صدوركم من العقائد الفاسدة ودعاء إلى الحق (ورحمة) لمن آمن به منكم. أصل الكلام بفضل الله وبرحمته فليفرحوا (فبذلك فليفرحوا) والتكرير
(٢٤١)
مفاتيح البحث: العذاب، العذب (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 236 237 238 239 240 241 242 243 244 245 246 ... » »»