____________________
في صماخه دوى الصوت، فإذا اجتمع سلب السمع والعقل جميعا فقد تم الأمر. وأتحسب أنك تقدر على هداية العمى ولو انضم إلى العمى وهو فقد البصر فقد البصيرة، لأن الأعمى الذي له في قلبه بصيرة قد يحدس ويتظنن، وأما العمى مع الحمق فجهد البلاء: يعنى أنهم في الياس من أن يقبلوا ويصدقوا كالصم والعمى الذين لا بصائر لهم ولا عقول. وقوله (أفأنت - أفأنت) دلالة على أنه لا يقدر على إسماعهم وهدايتهم إلا الله عز وجل بالقسر والإلجاء، كما لا يقدر على رد الأصم والأعمى المسلوبي العقل حديدي السمع والبصر راجحي العقل إلا هو وحده (إن الله لا يظلم الناس شيئا) أي لا ينقصهم شيئا مما يتصل بمصالحهم من بعثة الرسل وإنزال الكتب، ولكنهم يظلمون أنفسهم بالكفر والتكذيب. ويجوز أن يكون وعيدا للمكذبين: يعنى أن ما يلحقهم يوم القيامة من العذاب لا حق بهم على سبيل العدل والاستيجاب، ولا يظلمهم الله به ولكنهم ظلموا أنفسهم باقتراف ما كان سببا فيه (إلا ساعة من النهار) يستقربون وقت لبثهم في الدنيا. وقيل في القبور لهول ما يرون (يتعارفون بينهم) يعرف بعضهم بعضا كأنهم لم يتفارقوا إلا قليلا وذلك عند خروجهم من القبور، ثم ينقطع التعارف بينهم لشدة الأمر عليها. فإن قلت: كأن لم يلبثوا ويتعارفون كيف موقعهما؟ قلت: أما الأولى فحال من هم: أي نحشرهم مشبهين بمن لم يلبث إلا ساعة، وأما الثانية فإما أن تتعلق بالظرف وإما أن تكون مبينة لقوله - كأن لم يلبثوا إلا ساعة - لأن التعارف لا يبقى مع طول العهد وينقلب تناكرا (قد خسر) على إرادة القول: أي يتعارفون بينهم قائلين ذلك، أو هي شهادة من الله تعالى على خسرانهم. والمعنى: أنهم وضعوا في تجارتهم وبيعهم الإيمان بالكفر (وما كانوا مهتدين) للتجارة عارفين بها، وهو استئناف فيه معنى التعجب كأنه قيل: ما أخسرهم (فالينا مرجعهم) جواب نتوفينك وجواب نرينك محذوف كأنه قيل: وإما نرينك بعض الذي نعدهم في الدنيا فذاك، أو نتوفينك قبل أن نريكه، فنحن نريكه في الآخرة. فإن قلت: الله شهيد على ما يفعلون في الدارين فما معنى ثم؟ قلت: ذكرت الشهادة والمراد مقتضاها ونتيجتها وهو العقاب كأنه قال: ثم الله معاقب على ما يفعلون. وقرأ ابن أبي عبلة ثم بالفتح: أي هنالك، ويجوز أن يراد أن الله مؤد شهادته على أفعالهم يوم القيامة حين ينطق جلودهم وألسنتهم وأيديهم وأرجلهم شاهدة عليهم (ولكل أمة رسول) يبعث إليهم لينبههم على التوحيد ويدعوهم إلى دين الحق (فإذا جاء) هم (رسولهم) بالبينات فكذبوه ولم يتبعوه (قضى بينهم) أي بين النبي ومكذبيه (بالقسط) بالعدل فأنجى الرسول وعذب المكذبون