____________________
المعتدون) المجاوزون الغاية في الظلم والشرارة (فإن تابوا) عن الكفر ونقض العهد (فإخوانكم في الدين) فهم إخوانكم على حذف المبتدأ كقوله تعالى - فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم - (ونفصل الآيات) ونبينها وهذا اعتراض كأنه قيل: وإن من تأمل تفصيلها فهو العالم بعثا وتحريضا على تأمل ما فصل من أحكام المشركين المعاهدين وعلى المحافظة عليها (وطعنوا في دينكم) وثلبوه وعابوه (فقاتلوا أئمة الكفر) فقاتلوهم فوضع أئمة الكفر موضع ضميرهم إشعارا بأنهم إذا نكثوا في حال الشرك تمردا وطغيانا وطرحا لعادات الكرام الأوفياء من العرب، ثم آمنوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وصاروا إخوانا للمسلمين في الدين، ثم رجعوا فارتدوا عن الإسلام ونكثوا ما بايعوا عليه من الإيمان والوفاء بالعهود، وقعدوا يطعنون في دين الله ويقولون: ليس دين محمد بشئ، فهم أئمة الكفر وذوو الرياسة والتقدم فيه لا يشق كافر غبارهم، وقالوا: إذا طعن الذمي في دين الإسلام طعنا ظاهرا جاز قتله، لأن العهد معقود معه على أن لا يطعن، فإذا طعن فقد نكث عهده وخرج من الدمة (إنهم لا أيمان لهم) جمع يمين، وقرئ لا إيمان لهم: أي لا إسلام لهم، أو لا يعطون الأمان بعد الردة والنكث ولا سبيل إليه. فإن قلت: كيف أثبت لهم الأيمان في قوله - وإن نكثوا أيمانهم - ثم نفاها عنهم؟ قلت: أراد أيمانهم التي أظهروها ثم قال لا أيمان لهم على الحقيقة، وأيمانهم ليست بأيمان، وبه استشهد أبو حنيفة رحمة الله عليه أن يمين الكافر لا تكون يمينا. وعند الشافعي رحمه الله: يمينهم يمين، وقال: معناه أنهم لا يوفون بها بدليل أنه وصفها بالنكث (لعلهم ينتهون) متعلق بقوله - فقاتلوا أئمة الكفر - أي ليكن غرضكم في مقاتلتهم بعد ما وجد منهم ما وجد من العظائم أن تكون المقاتلة سببا في انتهائهم عماهم عليه، وهذا من غاية كرمه وفضله وعوده على المسئ بالرحمة كلما عاد. فإن قلت: كيف لفظ أئمة؟ قلت: همزة بعدها همزة بين بين: أي بين مخرج الهمزة والياء، وتحقيق الهمزتين قراءة مشهورة وإن لم تكن بمقبولة عند البصريين. وأما التصريح بالياء فليس بقراءة، ولا يجوز أن تكون قراءة، ومن صرح بها فهو لاحن محرف (ألا تقاتلون) دخلت الهمزة على لا تقاتلون تقريرا بانتفاء المقاتلة، ومعناه: الحض عليها على سبيل المبالغة (نكثوا أيمانهم) التي حلفوها في المعاهدة (وهموا بإخراج الرسول) من مكة حين تشاوروا في أمره بدار الندوة حتى أذن الله تعالى له في الهجرة فخرج بنفسه (وهم بدؤوكم أول مرة) أي وهم الذين كانت منهم البداءة بالمقاتلة، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءهم أولا بالكتاب المنير وتحداهم به، فعدلوا عن المعارضة لعجزهم عنها إلى القتال، فهم البادئون بالقتال والبادئ أظلم، فما يمنعكم من أن تقاتلوهم بمثله وأن تصدموهم بالشر كما