الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ١٧٣
غير معجزي الله وأن الله مخزى الكافرين. وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر أن الله برئ من المشركين ورسوله
____________________
ولا يطوف بالبيت عريان، ولا يدخل الجنة إلا كل نفس مؤمنة، وأن يتم إلى كل ذي عهد عهده، فقالوا عند ذلك: يا علي أبلغ ابن عمك أنا قد نبذنا العهد وراء ظهورنا، وأنه ليس بيننا وبينه عهد إلا طعن بالرماح وضرب بالسيوف. وقيل إنما أمر أن لا يبلغ عنه إلا رجل منه، لأن العرب عادتها في نقض عهودها أن يتولى ذلك على القبيلة رجل منها، فلو تولاه أبو بكر رضي الله عنه لجاز أن يقولوا هذا خلاف ما يعرف فينا في نقض العهود، فأزيحت علتهم بتولية ذلك عليا رضي الله عنه. فإن قلت: الأشهر الأربعة ما هي؟ قلت: عن الزهري رضي الله عنه أن براءة نزلت في شوال فهي أربعة أشهر: شوال، وذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم. وقيل هي عشرون من ذي الحجة والمحرم وصفر وشهر ربيع الأول وعشر من شهر ربيع الآخر. وكانت حرما لأنهم أمنوا فيها وحرم قلتهم وقتالهم، أو على التفليب لأن ذا الحجة والمرحم منها. وقيل لعشر من ذي القعدة إلى عشر من ربيع الأول، لأن الحج في تلك السنة كان في ذلك الوقت للنسئ الذي كان فيهم، ثمم صار في السنة الثانية في ذي الحجة. فإن قلت: ما وجه إطباق أكثر العلماء على جواز مقاتلة المشركين في الأشهر الحرم وقد صانها الله تعالى عن ذلك؟
قلت: قالوا قد نسخ وجوب الصيانة وأبيح فتال المشركين فيها (غير معجزي الله) لا تفوتونه وإن أمهلكم، وهو مخزيكم: أي مذلكم في الدنيا بالقتل وفي الآخرة بالعذاب (وأذان) ارتفاعه كارتفاع براءة على الوجهين ثم الجملة معطوفة على مثلها، ولا وجه لقول من قال: إنه معطوف على براءة كما لا يقال عمرو معطوف على زيد في قولك زيد قائم وعمرو قاعد. الأذان بمعنى الإيذان وهو الإعلام، كما أن الأمان والعطاء بمعنى الإيمان والإعطاء. فإن قلت: أي فرق بين معنى الجملة الأولى والثانية؟ قلت: تلك إخبار بثبوت البراءة وهذه إخبار بوجوب الإعلام بما ثبت. فإن قلت: لم علقت البراءة بالذين عوهدوا من المشركين وعلق الأذان بالناس؟ قلت: لأن البراءة مختصة بالمعاهدين والنكثين منهم، وأما الأذان فعام لجميع الناس من عاهد ومن لم يعاهد، ومن نكث من المعاهدين ومن لم ينكث (يوم الحج الأكبر) يوم عرفة، وقيل يوم النحر لأن فيه تمام الحج ومعظم أفعاله من الطواف والنحر والحلق والرمي. وعن علي رضي الله عنه أن رجلا أخذ بلجام دابته فقال: ما الحج الأكبر؟ قال: يومك هذا خل عن دابتي. وعن ابن عمر رضي الله عنهما " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف يوم النحر عند الجمرات في حجة الوداع فقال: هذا يوم الحج الأكبر " ووصف الحج بالأكبر لأن العمرة تسمى الحج الأصغر، أو جعل الوقوف بعرفة هو الحج الأكبر لأنه معظم واجباته لأنه إذا فات فات الحج، وكذلك إذن أريد به يوم النحر لأن ما يفعل فيه معظم أفعال الحج فهو الحج الأكبر. وعن الحسن رضي الله عنه: سمى يوم الحج الأكبر لاجتماع المسلمين والمشركين فيه وموافقته لأعياد أهل الكتاب ولم يتفق ذلك قبله ولا بعده فعظم في قلب كل مؤمن وكافر.
حذفت الباء التي هي صلة الأذان تخفيفا. وقرئ إن الله باكسر لأن الأذان في معنى القول (ورسوله) عطف على المنوى في برئ أو على محل إن المكسورة واسمها. وقرئ بالنصب عطفا على اسم إن، أو لأن الواو بمعنى مع: أي برئ معه منهم، وبالجر على الجوار، وقيل على القسم كقوله لعمرك. ويحكى أن أعرابيا سمع رجلا
(١٧٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 168 169 170 171 172 173 174 175 176 177 178 ... » »»