الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ١٦٩
فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا، واتقوا الله إن الله غفور رحيم. يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الأسارى إن يعلم الله في قلوبكم خيرا يؤتكم خيرا مما أخذ منكم ويغفر لكم والله غفور رحيم. وإن يريدوا خيانتك فقد خانوا الله من قبل فأمكن منهم والله عليم حكيم. إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله والذين آووا ونصروا
____________________
وقيل إن أهل بدر مغفور لهم. وقيل إنه لا يعذب قوما إلا بعد تأكيد الحجة وتقديم النهى ولم يتقدم نهى عن ذلك (فكلوا مما غنمتم) روى أنهم أمسكوا عن الغنائم ولم يمدوا أيديهم إليها فنزلت. وقيل هو إباحة للفداء لأنه من جملة الغنائم (واتقوا الله) فلا تقدموا على شئ لم يعهد إليك فيه. فإن قلت: ما معنى الفاء؟ قلت: التسبيب والسبب محذوف معناه: قد أبحت لكم الغنائم فكلوا مما غنمتم. حلالا نصب على الحال من المغنوم أو صفة للمصدر: أي أكلا حلالا، وقوله (إن الله غفور رحيم) معناه: أنكم إذا اتقيتموه بعد ما فرط منكم من استباحة الفداء قبل أن يؤذن لكم فيه غفر لكم ورحمكم وتاب عليكم (في أيديكم) في ملكتكم كأن أيديكم قابضة عليهم. وقرئ من الأسرى (في قلوبكم خيرا) خلوص إيمان وصحة نية (يؤتكم خيرا مما أخذ منكم) من الفداء أم أن يخلفكم في الدنيا أضعافه أو يثيبكم في الآخرة. وفي قراءة الأعمش يثبكم خيرا. وعن العباس رضي الله عنه أنه قال " كنت مسلما لكنهم استكرهوني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن يكن ما تذكره حقا فالله يجزيك، فأما ظاهر أمرك فقد كان علينا " وكان أحد الذين ضمنوا إطعام أهل بدر وخرج بالذهب لذلك. وروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للعباس " افد ابني أخيك عقيل بن أبي طالب ونوفل بن الحرث، فقال: يا محمد تركتني أتكفف قريشا ما بقيت، فقال له: فأين الذهب الذي دفعته إلى أم الفضل وقت خروجك من مكة؟ وقلت لها: لا أدرى ما يصيبني في وجهي هذا، فإن حدث بي حدث فهو لك ولعبد الله وعبيد الله والفضل، فقال العباس: وما يدريك؟ قال: أخبرني به ربى، قال العباس: فأنا أشهد أنك صادق، وأن لا إله إلا الله، وأنك عبده ورسوله، والله لم يطلع عليه أحد إلا الله، ولقد دفعته إليها في سواد الليل، ولقد كنت مرتابا في أمرك، فأما إذا أخبرتني بذلك فلا ريب. قال العباس رضي الله عنه: فأبدلني الله خيرا من ذلك، لي الآن عشرون عبدا إن أدناهم ليضرب في عشرين ألفا، وأعطاني زمزم ما أحب أن لي بها جميع أموال أهل مكة، وأنا أنتظر المغفرة من ربى ". وروى " أنه قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم مال البحرين ثمانون ألفا، فتوضأ لصلاة الظهر وما صلى حتى فرقه، وأمر العباس أن يأخذ منه، فأخذ ما قدر على حمله وكان يقول: هذا خير مما أخذ منى وأرجو المغفرة ". وقرأ الحسن وشيبة مما أخذ منكم على البناء للفاعل (وإن يريدوا خيانتك) نكث ما بايعوك عليه من الإسلام والردة واستحباب دين آبائهم (فقد خانوا الله من قبل) في كفرهم به ونقض ما أخذ على كل عاقل من ميثاقه (فأمكن منهم) كما رأيتم يوم بدر فسيمكن منهم إن أعادوا الخيانة. وقيل المراد بالخيانة منع ما ضمنوا من الفداء الذين
(١٦٩)
مفاتيح البحث: سبيل الله (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 164 165 166 167 168 169 170 171 172 173 174 ... » »»