الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ١٦٧
الله ومن اتبعك من المؤمنين. يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين وإن يكن منكم مائة يغلبوا ألفا من الذين كفروا بأنهم قو لا يفقهون. الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا، فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين بإذن الله والله مع الصابرين.
____________________
ورؤساءهم ودق جماجمهم، ولم يكن لبغضائهم أمد ومنتهى، وبينهما التجاور الذي يهيج الضغائن ويديم التحاسد والتنافس، وعادة كل طائفتين كانتا بهذه المثابة أن تتجنب هذه ما آثرته أختها وتكرهه وتنفر عنه، فأنساهم الله تعالى ذلك كله حتى اتفقوا على الطاعة وتصافوا وصاروا أنصارا وعادوا أعوانا، وما ذاك إلا بلطيف صنعه وبليغ قدرته (ومن اتبعك) الواو بعني مع وما بعده منصوب تقول: حسبك وزيدا درهم، ولاتجر لأن عطف الظاهر الجرور على المكنى ممتنع، قال * فحسبك والضحاك عضب مهند * والمعنى: كفاك وكفى تباعك من المؤمنين الله ناصرا، أو يكون في محل الرفع: أي كفاك الله وكفاك المؤمنون، وهذه الآية نزلت بالبيداء في غزوة بدر قبل القتال. وعن ابن عباس رضي الله عنهما: نزلت في إسلام عمر رضي الله عنه. وعن سعيد بن جبير أنه أسلم مع النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة وثلاثون رجلا وست نسوة، ثم أسلم عمر فنزلت. التحريض: المبالغة في الحث على الأمر من الحرض وهو أن ينهكه المرض ويتبالغ فيه حتى يشفى على الموت، أو أن تسميه حرضا وتقول له: ما أراك إلا حرضا في هذا الأمر وممرضا فيه ليهيجه ويحرك منه، يقال حركه وحرضه وحرشه وحربه بمعنى. وقرئ حرص بالصاد غير المعجمة، حكاها الأخفش من الحرص. وهذه عدة من الله وبشارة بأن الجماعة من المؤمنين إن صبروا غلبوا عشرة أمثالهم من الكفار بعون الله تعالى وتأييده ثم قال (بأنهم قوم لا يفقهون) أي بسبب أن الكفار قوم جهلة يقاتلون على غير احتساب وطلب ثواب كالبهائم، فيقل ثباتهم ويعدمون لجهلهم بالله نصرته ويستحقون خذلانه، خلاف من يقاتل على بصيرة ومعه ما يستوجب به النصر والإظهار من الله تعالى.
وعن ابن جريج: كان عليهم أن لا يفروا ويثبت الواحد منهم للعشرة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث حمزة رضي الله عنه في ثلاثين راكبا، فلقى أبا جهل في ثلاثمائة راكب، قيل ثم ثقل عليهم ذلك وضجوا منه وذلك بعد مدة طويلة، فنسخ وخفف عنهم بمقاومة الواحد الاثنين. وقيل كان فيهم قلة في الابتداء ثم لما كثروا بعد نزل التخفيف. وقرئ ضعفا بالفتح والضم كالمكث والمكث والفقر والفقر ضعفاء جمع ضعيف. وقرئ الفعل المسند إلى المائة بالتاء والياء في الموضعين، والمراد بالضعف الضعف في البدن، وقيل في البصيرة والاستقامة في الدين، وكانوا متفاوتين في ذلك. فإن قلت: لم كرر المعنى الواحد وهو مقاومة الجماعة لأكثر منها مرتين قبل التخفيف وبعده؟ قلت: للدلالة على أن الحال مع القلة والكثرة واحدة لا تتفاوت، لأن الحال قد تتفاوت بين مقاومة العشرين المائتين والمائة الألف، وذلك بين مقاومة المائة المائتين والألف الألفين. قرئ للنبي على
(١٦٧)
مفاتيح البحث: القتل (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 162 163 164 165 166 167 168 169 170 171 172 ... » »»