الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ١٦٦
ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم وما تنفقوا من شئ في سبيل الله يوف إليكم وأنتم لا تظلمون. وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله إنه هو السميع العليم. وإن يريدوا أن يخدعوك فإن حسبك الله، هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين. وألف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم إنه عزيز حكيم. يا أيها النبي حسبك
____________________
به كقوله - وجبريل وميكال - وعن ابن سيرين رحمه الله أنه سئل عمن أوصى بثلث ما له في الحصون فقال:
يشترى به الخيل فترابط في سبيل الله ويغزى عليها، فقيل له: إنما أوصى في الحصون، فقال: ألم تسمع قول الشاعر: * إن الحصون الخيل لامدر القرى * (ترهبون) قرئ بالتخفيف والتشديد. وقرأ ابن عباس ومجاهد رضي الله عنهما تخزون والضمير في (به) راجع إلى ما استطعتم (عدو الله وعدوكم) هم أهل مكة (وآخرين من دونهم) هم اليهود وقيل المنافقون. وعن السدى هم أهل فارس، وقيل كفرة الجن، وجاء في الحديث " إن الشيطان لا يقرب صاحب فرس ولا دارا فيها فرس عتيق " وروى أن صهيل الخيل يرهب الجن. جنح له وإليه: إذا مال. والسلم تؤنث تأنيث نقيضها وهى الحرب. قال:
السلم تأخذ منها ما رضيت به * والحرب يكفيك من أنفاسها جرع وقرئ بفتح السين وكسرها. وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن الآية منسوخة بقوله تعالى - قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله - وعن مجاهد بقوله - فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم - والصحيح أن الأمر موقوف على ما يرى فيه الإمام صلاح الإسلام وأهله من حرب أو سلم، وليس بحتم أن يقاتلوا أبدا أو يجابوا إلى الهدنة أبدا. وقرأ الأشهب العقيلي فاجنح بضم النون (وتوكل على الله) ولا تخف من إبطانهم المكر في جنوحهم إلى السلم، فإن الله كافيك وعاصمك من مكرهم وخديعتهم. قال مجاهد: يريد قريظة (فإن حسبك الله) فإن محسبك الله، قال جرير:
إني وجدت من المكارم حسبكم * أن تلبسوا خز الثياب وتشبعوا (وألف بين قلوبهم) التأليف بين قلوب من بعث إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم من الآيات الباهرة، لأن العرب لما فيهم من الحمية والعصبية والانطواء على الضغينة في أدنى شئ وإلقائه بين أعينهم إلى أن ينتقموا لا يكاد يأتلف منهم قلبان، ثم ائتلفت قلوبهم على اتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم واتحدوا وأنشئوا يرمون عن قوس واحدة، وذلك لما نظم الله من ألفتهم وجمع من كلمتهم وأحدث بينهم من التحاب والتواد، وأماط عنهم من التباغض والتماقت، وكلفهم من الحب في الله والبغض في الله، ولا يقدر على ذلك إلا من يملك القلوب فهو يقلبها كما شاء ويصنع فيها ما أراده. قيل هم الأوس والخزرج، كان بينهم من الحروب والوقائع ما أهلك سادتهم
(١٦٦)
مفاتيح البحث: سبيل الله (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 161 162 163 164 165 166 167 168 169 170 171 ... » »»