الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ١٥٧
ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون والذين كفروا إلى جهنم يحشرون. ليميز الله الخبيث من الطيب ويجعل الخبيث بعضه على بعض فيركمه جميعا فيجعله في جهنم أولئك هم الخاسرون. قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف وإن يعودوا فقد مضت سنت الأولين. وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله فإن انتهوا فإن الله بما يعملون بصير.
____________________
أي كان غرضهم في الإنفاق الصد عن اتباع محمد وهو سبيل الله وإن لم يكن عندهم كذلك (ثم تكونوا عليهم حسرة) أي تكون عاقبة إنفاقها ندما وحسرة، فكأن ذاتها تصير ندما وتنقلب حسرة (ثم يغلبون) آخر الأمر وإن كانت الحرب بينهم وبين المؤمنين سجالا قبل ذلك فيرجعون طلقاء - كتب الله لأغلبن أنا ورسلي - (والذين كفروا) والكافرون منهم (إلى جهنم يحشرون) لأن منهم من أسلم وحسن إسلامه (ليميز الله الخبيث) الفريق الخبيث من الكفار (من) الفريق (الطيب) من المؤمنين. فيجعل الفريق (الخبيث بعضه على بعض فيركمه جميعا) عبارة عن الجمع والضم حتى يتراكبوا كقوله تعالى - كادوا يكونون عليه لبدا - يعنى لفرط ازدحامهم (أولئك) إشارة إلى الفريق الخبيث، وقيل ليميز المال الخبيث الذي أنفقه المشركون في عداوة رسول الله صلى الله عليه وسلم من المال الطيب الذي أنفقه المسلمون كأبي بكر وعثمان في نصرته، فيركمه فيجعله في جهنم في جملة ما يعذبون به كقوله - فتكوى بها جباههم وجنوبهم - الآية، واللام على هذا متعلقة بقوله - ثم تكون عليهم حسرة - وعلى الأول بيحشرون وأولئك إشارة إلى الذين كفروا. وقرئ ليميز على التخفيف (قل للذين كفروا) من أبي سفيان وأصحابه: أي قل لأجلهم هذا القول وهو (إن ينتهوا) ولو كان بمعنى خاطبهم به لقيل: إن تنتهوا يغفر لكم، وهى قراءة ابن مسعود ونحوه - وقال الذين كفروا للذين آمنوا لو كان خيرا ما سبقونا إليه - خاطبوا به غيرهم لأجلهم ليسمعوه: أي إن ينتهوا عماهم عليه من عداوة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقتاله بالدخول في الإسلام (يغفر لهم ما قد سلف) لهم من العداوة (وإن يعودوا) لقتاله (فقد مضت سنت الأولين) منهم الذين حاق بهم مكرهم يوم بدر، أو فقد مضت سنة الذين تحزبوا على أنبيائهم من الأمم فدمروا فليتوقعوا مثل ذلك إن لم ينتهوا.
وقيل معناه أن الكفار إذا انتهوا عن الكفر وأسلموا غفر لهم ما قد سلف لهم من الكفر والمعاصي وخرجوا منها كما تنسل الشعرة من العجين، ومنه قوله عليه الصلاة والسلام " الإسلام يجب ما قبله " وقالوا: الحربي إذا أسلم لم يبق عليه تبعة قط، وأما الذي فلا يلزمه قضاء حقوق الله وتبقى عليه حقوق الآدميين، وبه احتج أبو حنيفة رحمه الله في أن المرتد إذا أسلم لم يلزمه قضاء العبادات المتروكة في حال الردة وقبلها، وفسر " وإن يعودوا " بالارتداد.
وقرئ يغفر لهم على أن الضمير لله عز وجل (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة) إلى أن لا يوجد فيهم شرط قط (ويكون الدين كله لله) ويضمحل عنهم كل دين باطل ويبقى فيهم دين الإسلام وحده (فإن انتهوا) عن الكفر وأسلموا (فإن الله بما يعملون بصير) يثيبهم على توبهم وإسلامهم، وقرئ تعملون بالتاء، فيكون المعنى: فإن الله بما تعملون من الجهاد في سبيله والدعوة إلى دينه والإخراج من ظلمة إلى نور الإسلام بصير يجازيكم عليه أحسن
(١٥٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 152 153 154 155 156 157 158 159 160 161 162 ... » »»