الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ١٥٤
وأن الله عنده أجر عظيم ويا أيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا ويكفر عنكم سيئاتكم ويغفر لكم والله ذو الفضل العظيم. وإذ يمكر بك الذين كفروا
____________________
قدماي حتى علمت أنى قد خنت الله ورسوله، فنزلت، فشد نفسه على سارية من سواري المسجد وقال: والله لا أذوق طعاما ولا شرابا حتى أموت أو يتوب الله على، فمكث سبعة أيام حتى خر مغشيا عليه ثم تاب الله عليه، فقيل له: قد تيب عليك فحل نفسك، فقال: لا والله لا أحلها حتى يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي يحلني، فجاءه فحله بيده، فقال: إن من تمام توبتي أن أهجر دار قومي التي أصبت فيها الذنب، وأن أنخلع من مالي، فقال صلى الله عليه وسلم: يجزيك الثلث أن تتصدق به " وعن المغيرة: نزلت في قتل عثمان بن عفان رضي الله عنه، وقيل أماناتكم: ما ائتمنكم الله عليه من فرائضه وحدوده. فإن قلت: وتخونوا جزم هو أم نصب؟ قلت: يحتمل أن يكون جزما داخلا في حكم النهى، وأن يكون نصبا بإضمار أن كقوله - وتكتموا الحق - وقرأ مجاهد وتخونوا أمانتكم على التوحيد. جعل الأموال والأولاد فتنة لأنهم سبب الوقوع في الفتنة وهى الإثم أو العذاب أو محنة من الله ليبلوكم كيف تحافظون فيهم على حدوده (والله عنده أجر عظيم) فعليكم أن تنوطوا بطلبه وبما تؤدى إليه هممكم وتزهدوا في الدنيا ولا تحرصوا على جمع المال وحب الولد حتى تورطوا أنفسكم من أجلهما كقوله - المال والبنون - الآية، وقيل هي من جملة ما نزل في أبى لبابة وما فرط منه لأجل ماله وولده (فرقانا) نصرا لأنه يفرق بين الحق والباطل وبين الكفر بإذلال حزبه والإسلام بإعزاز أهله، ومنه قوله تعالى - يوم الفرقان - أو بيانا وظهورا يشهر أمركم ويبث صيتكم وآثاركم في أقطار الأرض من قولهم: بت أفعل كذا حتى سطع الفرقان:
أي طلع الفجر أو مخرجا من الشبهات وتوفيقا وشرحا للصدور، أو تفرقة بينكم وبين غيركم من أهل الأديان وفضلا ومزية في الدنيا والآخرة. لما فتح الله عليه ذكره مكر قريش به حين كان بمكة ليشكر نعمة الله عز وجل في نجاته من مكرهم واستيلائه عليهم وما أتاح الله له من حسن العاقبة. والمعنى: واذكر إذ يمكرون بك وذلك أن قريشا لما أسلمت الأنصار وبايعوه فرقوا أن يتفاقم أمره، فاجتمعوا في دار الندوة متشاورين في أمره، فدخل عليهم إبليس في صورة شيخ وقال: أنا شيخ من نجد، ما أنا من تهامة دخلت مكة فسمعت باجتماعكم، فأردت أن أحضركم ولن تعدموا منى رأيا ونصحا، فقال أبو البختري: رأيي أن تحبسوه في بيت وتشدوا وثاقه وتسدوا بابه غير كوة تلقون إليه طعامه وشرابه منها وتتربصوا به ريب المنون، فقال إبليس: بئس الرأي، يأتيكم من يقاتلكم من قومه ويخلصه من أيديكم، فقال هشام بن عمرو: رأيي أن تحملوه على جمل وتخرجوه من بين أظهركم فلا يضركم ما صنع واسترحتم، فقال إبليس: بئس الرأي، يفسد قوما غيركم ويقاتلكم بهم، فقال أبو جهل: أنا أرى أن تأخذوا من كل بطن غلاما وتعطوه سيفا صار ما فيضربوه ضربة رجل واحد فيتفرق دمه في القبائل فلا يقوى بنو هاشم على حرب قريش كلهم: فإذا طلبوا العقل عقلناه واسترحنا، فقال الشيخ لعنه الله: صدق هذا الفتى هو أجودكم رأيا، فتفرقوا على رأى أبى جهل مجتمعين على قتله، فأخبر جبريل عليه السلام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمره أن لا يبيت في مضجعه وأذن الله له في الهجرة، فأمر عليا رضي الله عنه فنام في مضجعه وقال له:
اتشح ببردتي فإنه لن يخلص إليك أمر تكرهه وباتوا مترصدين، فلما أصبحوا ثاروا إلى مضجعه فأبصروا عليا
(١٥٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 149 150 151 152 153 154 155 156 157 158 159 ... » »»