الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ١٥٩
إن كنتم آمنتم بالله وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان والله على كل شئ قدير. إذ أنتم بالعدوة الدنيا وهم بالعدوة القصوى والركب
____________________
قلت: يحتمل أن يكون معنى لله وللرسول: لرسول الله صلى الله عليه وسلم كقوله - والله ورسوله أحق أن يرضوه - وأن يراد بذكره إيجاب سهم سادس يصرف إلى وجه من وجوه القرب، وأن يراد بقوله - فأن لله خمسه - أن من حق الخمس أن يكون متقربا به إليه لاغير، ثم خص من وجوه القرب هذه الخمسة تفضيلا لها على غيرها كقوله تعالى - وجبريل وميكال - فعلى الاحتمال الأول مذهب الإمامين، وعلى الثاني ما قال أبو العالية أنه يقسم على ستة أسهم سهم لله تعالى يصرف إلى رتاج الكعبة. وعنه كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأخذ الخمس فيضرب بيده فيه فيأخذ منه قبضة فيجعلها للكعبة وهو سهم الله تعالى، ثم يقسم ما بقى على خمسة. وقيل إن سهم الله تعالى لبيت المال وعلى الثالث مذهب مالك بن أنس، وعن ابن عباس رضي الله عنه أنه كان على ستة أسهم لله وللرسول سهمان، وسهم لأقاربه حتى قبض، فأجرى أبو بكر رضي الله عنه الخمس على ثلاثة، وكذلك روى عن عمر ومن بعده من الخلفاء. وروى أن أبا بكر رضي الله عنه منع بني هاشم الخمس وقال: أنما لكم أن يعطى فقيركم ويزوج أيمكم ويخدم من لا خادم له منكم، فأما الغنى منكم فهو بمنزلة ابن سبيل غنى لا يعطى من الصدقة شيئا ولا يتيم موسر. وعن زيد بن علي رضي الله عنه كذلك قال: ليس لنا أن نبني منه قصورا ولا أن نركب منه البراذين. وقيل الخمس كله للقرابة. وعن علي رضي الله عنه أنه قيل له: إن الله تعالى قال - واليتامى والمساكين - فقال: أيتامنا ومساكيننا وعن الحسن رضي الله عنه في سهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لولى الأمر من بعده. وعن الكلبي رضي الله عنه أن الآية نزلت ببدر. وقال الواقدي: كان الخمس في غزوة بنى قينقاع بعد بدر بشهر وثلاثة أيام للنصف من شوال على رأس عشرين شهرا من الهجرة. فإن قلت: بم تعلق قوله (إن كنتم آمنتم بالله)؟ قلت: بمحذوف يدل عليه واعلموا. المعنى: إن كنتم آمنتم بالله فاعلموا أن الخمس من الغنيمة يجب التقرب به، فاقطعوا عنه أطماعكم واقتنعوا بالأخماس الأربعة، وليس المراد بالعلم المجرد ولكنه العلم المضمن بالعمل والطاعة لأمر الله تعالى، لأن العلم المجرد يستوى فيه المؤمن والكافر (وما أنزلنا) معطوف على بالله: أي إن كنتم آمنتم بالله وبالمنزل على عبدنا. وقرئ عبدنا كقوله - وعبد الطاغوت - بضمتين (يوم الفرقان) يوم بدر، و (الجمعان) الفريقان من المسلمين والكافرين والمراد ما أنزل عليه من الآيات والملائكة والفتح يومئذ (والله على كل شئ قدير) يقدر على أن ينصر القليل على الكثير والذليل على العزيز كما فعل بكم ذلك اليوم (إذ) بدل من يوم الفرقان. والعدوة شط الوادي بالكسر والضم والفتح. وقرئ بهن وبالعدية على قلب الواو ياء لأن بينها وبين الكسرة حاجزا غير حصين كما في الصبية. والدنيا والقصوى تأنيث الأدنى والأقصى. فإن قلت: كلتاهما فعلى من بنات الواو فلم جاءت إحداهما بالياء والثانية بالواو؟ قلت: القياس هو قلب الواو ياء كالعليا، وأما القصوى فكالقود في محبيئه على الأصل، وقد جاء القصيا إلا أن استعمال القصوى أكثر كما كثر استعمال استصوب مع مجئ استصاب وأغيلت مع أغالت. والعدوة الدنيا مما يلي المدينة، والقصوى مما يلي مكة (والركب
(١٥٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 154 155 156 157 158 159 160 161 162 163 164 ... » »»