الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ١٥٣
واعلموا أن الله شديد العقاب. واذكروا إذ أنتم قليل مستضعفون في الأرض تخافون أن يتخطفكم الناس فآواكم وأيدكم بنصره ورزقكم من الطيبات لعلكم تشكرون. يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون. واعلموا أنما أموالكم وأولادكم فتنة
____________________
ابن مسعود لتصيبن على جواب القسم المحذوف. وعن الحسن: نزلت في علي وعمار وطلحة والزبير وهو يوم الجمل خاصة، قال الزبير: نزلت فينا وقرأناها زمانا وما أرانا من أهلها فإذا نحن المعنيون بها. وعن السدى:
نزلت في أهل بدر فاقتتلوا يوم الجمل. وروى " أن الزبير كان يساير النبي صلى الله عليه وسلم يوما إذ أقبل علي رضي الله عنه فضحك إليه الزبير، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف حبك لعلى؟ فقال: يا رسول الله بأبي أنت وأمي إني أحبه كحبي لولدي أو أشد حبا، قال: فكيف أنت إذا سرت إليه تقاتله؟ ". فإن قلت:
كيف جاز أن تدخل النون المؤكدة في جواب الأمر؟ قلت: لأن فيه معنى النهى إذا قلت انزل عن الدابة لا تطرحك، فلذلك جاز لا تطرحنك ولا تصيبن ولا يحطمنكم. فإن قلت: فما معنى من في قوله " الذين ظلموا منكم "؟ قلت: التبعيض على الوجه الأول والتبيين على الثاني، لأن المعنى: لا تصيبنكم خاصة على ظلمكم لأن الظلم أقبح منكم من سائر الناس (إذ أنتم) نصبه على أنه مفعول به مذكور لا ظرف: أي اذكروا وقت كونكم أقلة أذلة مستضعفين (في الأرض) أرض مكة قبل الهجرة تستضعفكم قريش (تخافون أن يتخطفكم الناس) لأن الناس كانوا جميعا لهم أعداء منافقين مضادين (فآواكم) إلى المدينة (وأيدكم) بنصره بمظاهرة الأنصار وبإمداد الملائكة يوم بدر (ورزقكم من الطيبات) من الغنائم (لعلكم تشكرون) إرادة أن تشكروا هذه النعم. وعن قتادة كان هذا الحي من العرب أذل الناس وأشقاهم عيشا وأعراهم جلدا وأبينهم ضلالا، يؤكلون ولا يأكلون، فمكن الله لهم في البلاد ووسع لهم في الرزق والغنائم وجعلهم ملوكا. معنى الخون النقص، كما أن معنى الوفاء التمام، ومنه تخونه إذا تنقصه، ثم استعمل في ضد الأمانة والوفاء لأنك إذا خنت الرجل في شئ فقد أدخلت عليه النقصان فيه، وقد أستعير فقيل: خان الدلو الكرب، وخان المشتار السبب، لأنه إذا انقطع به فكأنه لم يف له، ومنه قوله تعالى " وتخونوا أماناتكم " والمعنى: لا تخونوا الله بأن تعطلوا فرائضه ورسوله بأن لا تستنوا به و (أماناتكم) فيما بينكم بأن لا تخفظوها (وأنتم تعلمون) تبعة ذلك ووباله، وقيل وأنتم تعلمون أنكم تخونون: يعنى أن الخيانة توجد منكم عن تعمد لاعن سهو، وقيل وأنتم علماء تعلمون قبح القبيح وحسن الحسن. وروى " أن نبي الله صلى الله عليه وسلم حاصر يهود بني قريظة إحدى وعشرين ليلة، فسألوا الصلح كما صالح إخوانهم بنى النضير على أن يسيروا إلى أذرعات وأريحاء من أرض الشام، فأبى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن ينزلوا على حكم سعد ابن معاذ، فأبوا وقالوا: أرسل إلينا أبا لبابة مروان بن عبد المنذر، وكان مناصحا لهم لأن عياله وماله في أيديهم، فبعثه إليهم فقالوا له: ما ترى هل ننزل على حكم سعد؟ فأشار إلى حلقه إنه الذبح، قال أبو لبابة: فما زالت
(١٥٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 148 149 150 151 152 153 154 155 156 157 158 ... » »»