الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ١٥٢
لما يحييكم واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه وأنه إليه تحشرون. واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة
____________________
يقطع صلاته (لما يحييكم) من علوم الديانات والشرائع لأن العلم حياة كما أن الجهل موت، ولبعضهم:
لا تعجبن الجهول حلته * فذاك ميت وثوبه كفن وقيل لمجاهدة الكفار لأنهم لو رفضوها لغلبوهم وقتلوهم كقوله - ولكم في القصاص حياة - وقيل للشهادة لقوله - بل أحياء عند ربهم - (واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه) يعنى أنه يميته فتفوته الفرصة التي هو واجدها وهى التمكن من إخلاص القلب ومعالجة أدوائه وعلله ورده سليما كما يريده الله، فاغتنموا هذه الفرصة وأخلصوا قلوبكم لطاعة الله ورسوله (واعلموا أنكم إليه تحشرون) فيثيبكم على حسب سلامة القلوب وإخلاص الطاعة. وقيل: معناه أن الله قد يملك على العبد قلبه فيفسخ عزائمه ويغير نياته ومقاصده، ويبدله بالخوف أمنا، وبالذكر نسيانا وبالنسيان ذكرا وما أشبه ذلك مما هو جائز على الله تعالى، فأما ما يثاب عليه العبد ويعاقب من أفعال القلوب فلا، والمجبرة على أنه يحول بين المرء الإيمان إذا كفر وبينه وبين الكفر إذا آمن - تعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا - وقيل معناه: أنه يطلع على كل ما يخطره المرء بباله لا يخفى عليه شئ من ضمائره فكأنه بينه وبين قلبه وقرئ بين المر بتشديد الراء، ووجهه أنه قد حذف الهمزة وألقى حركتها على الراء كالخب ثم نوى الوقف على لغة من يقول مررت بعمر (فتنة) ذنبا قيل هو إقرار المنكر بين أظهرهم، وقيل افتراق الكلمة، وقيل فتنة عذابا وقوله (لا تصيبن) لا يخلو من أن يكون جوابا للأمر أو نهيا بعد أمر أو صفة لفتنة، فإذا كان جوابا فالمعنى: إن أصابتكم لا تصب الظالمين منكم خاصة ولكنها تعمكم، وهذا كما يحكى أن علماء بني إسرائيل نهوا عن المنكر تعذيرا فعمهم الله بالعذاب، وإذا كانت نهيا بعد أمر فكأنه قيل: واحذروا ذنبا أو عقابا، ثم قيل: لا تتعرضوا للظلم فيصيب العقاب أو أثر الذنب ووباله من ظلم منكم خاصة، وكذلك إذا جعلته صفة على إرادة لقول كأنه قيل: واتقوا فتنة مقولا فيها لا تصيبن، ونظير قوله:
حتى إذا جن الظلام واختلط * جاءوا بمذق هل رأيت الذئب قط أي بمذق مقول فيه هذا القول، لأنه سمار فيه لون الورق التي هي لون الذئب، ويعضد المعنى الأخير قراءة
(١٥٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 147 148 149 150 151 152 153 154 155 156 157 ... » »»