الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ١٥٠
وليبلى المؤمنين منه بلاء حسنا إن الله سميع عليم. ذلكم وأن الله موهن كيد الكافرين. إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح وإن تنتهوا فهو خير لكم وإن تعودوا نعد ولن تعنى عنكم فئتكم شيئا ولو كثرت وأن الله مع المؤمنين. يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله ورسوله ولا تولوا عنه وأنتم تسمعون.
____________________
التي رميتها لم ترمها أنت على الحقيقة، لأنك لو رميتها لما بلغ أثرها إلا ما يبلغه أثر رمى البشر، ولكنها كانت رمية الله حيث أثرت ذلك الأثر العظيم، فأثبت الرمية لرسول الله صلى الله عليه وسلم لأن صورتها وجدت منه، ونفاها عنه لأن أثرها الذي لا يطيقه البشر فعل الله عز وجل، فكان الله هو فاعل الرمية على الحقيقة، وكأنها لم توجد من الرسول عليه الصلاة والسلام أصلا. وقرئ ولكن الله قتلهم، ولكن الله رمى بتخفيف لكن ورفع ما بعده (وليبلى المؤمنين) وليعطيهم (بلاء حسنا) عطاء جميلا قال زهير * فأبلاهما خير البلاء الذي يبلو * والمعنى:
وللإحسان إلى المؤمنين فعل ما فعل وما فعله إلا لذلك (إن الله سميع) لدعائهم (عليم) بأحوالهم (ذلكم) إشارة إلى البلاء الحسن، ومحله الرفع: أي الغرض ذلكم (وأن الله موهن) معطوف على ذلكم: يعنى أن الغرض إبلاء المؤمنين وتوهين كيد الكافرين. وقرئ موهن بالتشديد، وقرئ على الإضافة وعلى الأصل الذي هو التنوين والإعمال (إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح) خطاب لأهل مكة على سبيل التهكم، وذلك أنهم حين أرادوا أن ينفروا تعلقوا بأستار الكعبة وقالوا: اللهم انصر أقرانا للضيف وأوصلنا للرحم وأفكنا للعاني، إن كان محمد على حق فانصره، وإن كنا على حق فانصرنا. وروى أنهم قالوا: اللهم انصر أعلى الجندين وأهدى الفئتين وأكرم الحزبين. وروى أن أبا جهل قال يوم بدر: اللهم أينا كان أهجر وأقطع للرحم فأحنه اليوم: أي فأهلكه، وقيل إن تستفتحوا خطاب للمؤمنين (وإن تنتهوا) خطاب للكافرين: يعنى وإن تنتهوا عن عداوة رسول الله صلى الله عليه وسلم (فهو خير لكم) وأسلم (وإن تعودوا) لمحاربته (نعد) لنصرته عليكم (وأن الله) قرئ بالفتح على ولأن الله معين المؤمنين كان ذلك، وقرئ بالكسر، وهذه أوجه ويعضدها قراءة ابن مسعود والله مع المؤمنين.
وقرئ ولن يغنى عنكم بالياء للفصل (ولا تولوا) قرئ بطرح إحدى التاءين وإدغامها والضمير في (عنه) لرسول الله صلى الله عليه وسلم، لأن المعنى: وأطيعوا رسول الله كقوله - والله ورسوله أحق أن يرضوه - ولأن طاعة الرسول وطاعة الله شئ واحد. - من يطع الرسول فقد أطاع الله - فكان رجوع الضمير إلى أحدهما كرجوعه إليهما كقولك: الإحسان والإجمال لا ينفع في فلان، ويجوز أن يرجع إلى الأمر بالطاعة: أي ولا تولوا عن هذا الأمر وامتثاله وأنتم تسمعونه، أو ولا تتولوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تخالفوه (وأنتم تسمعون) أي
(١٥٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 145 146 147 148 149 150 151 152 153 154 155 ... » »»