الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ١٦٥
لعلهم يذكرون. وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء إن الله لا يحب الخائنين. ولا يحسبن الذين كفروا سبقوا إنهم لا يعجزون. وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل
____________________
عن محاربتك ومناصبتك بقتلهم شر قتلة والنكاية فيهم من وراءهم من الكفرة حتى لا يجسر عليك بعدهم أحد اعتبارا بهم واتعاظا بحالهم. وقرأ ابن مسعود رضي الله عنه فشرذ بالذال المعجمة بمعنى ففرق، وكأنه مقلوب شذر من قولهم: ذهبوا شذر مذر، ومنه الشذر الملتقط من المعدن لتفرقه. وقرأ أبو حياة من خلفهم ومعناه: فافعل التشريد من ورائهم، لأنه إذا شرد الذين وراءهم فقد فعل التشريد في الوراء وأوقعه فيه، لأن الوراء جهة المشردين، فإذا جعل الوراء ظرفا للتشريد فقد دل على تشريد من فيه فلم يبق فرق بين القراءتين (لعلهم يذكرون) لعل المشردين من ورائهم يتعظون (وإما تخافن من قوم) معاهدين (خيانة) ونكثا بأمارات تلوح لك (فانبذ إليهم) فاطرح إليهم العهد (على سواء) على طريق مستو قصد وذلك أن تظهر لهم نبذ العهد وتخبرهم إخبارا مكشوفا بينا أنك قطعت ما بينك وبينهم، ولا تناجزهم الحرب وهم على توهم بقاء العهد فيكون ذلك خيانة منك (إن الله لا يحب الحائنين) فلا يكن ممنك إخفاء نكث العهد والخداع، وقيل على استواء في العلم بنقض العهد، وقيل على استواء في العداوة، والجار والمجرور في موضع الحال كأنه قيل: فانبذ إليهم ثابتا على طريق قصد سوى، أو حاصلين على استواء في العلم أو العداوة على أنها حال من النابذ والمنبوذ إليهم معا (سبقوا) فاتوا وأفلتوا من أن يظفر بهم (إنهم لا يعجزون) إنهم لا يفوتون ولا يجدون طالبهم عاجزا عن إدراكهم. وقرئ أنهم بالفتح بمعنى لأنهم، كل واحدة من المكسورة والمفتوحة تعليل، إلا أن المكسورة على طريقة الاستئناف والمفتوحة تعليل صريح. وقرئ يعجزون بالتشديد، وقرأ ابن محيصن يعجزون بكسر النون. وقرأ الأعمش - ولا تحسب الذين كفروا - بكسر الباء وبفتحها على حذف النون الخفيفة، وقرأ حمزة ولا يحسبن بالياء على أن الفعل للذين كفروا، وقيل فيه أصله أن سبقوا فحذفت أن كقوله - ومن آياته يريكم البرق - واستدل عليه بقراءة ابن مسعود رضي الله عنه أنهم سبقوا، وقيل وقع الفعل على أنهم لا يعجزون على أن " لا " صلة وسبقوا في محل الحال بمعنى سابقين: أي مفلتين هاربين، وقيل معناه: ولا يحسبنهم الذين كفروا سبقوا، فحذف الضمير لكونه مفهوما، وقيل ولا يحسبن قبيل المؤمنين الذين كفروا سبقوا، وهذه الأقاويل كلها متمحلة، وليست هذه القراءة التي تفرد بها حمزة بنيرة. وعن الزهري أنها نزلت فيمن أفلت من فل المشركين (من قوة) من كل ما يتقوى به في الحرب من عددها. وعن عقبة بن عامر: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على المنبر " ألا إن القوة الرمي، قالها ثلاثا " ومات عقبة عن سبعين قوسا في سبيل الله. وعن عكرمة هي الحصون. والرباط اسم للخيل التي تربط في سبيل الله، ويجوز أن يسمى بالرباط الذي هو بمعنى المرابطة، ويجوز أن يكون جمع ربيط كفصيل وفصال. وقرأ الحسن ومن ربط الخيل بضم الباء وسكونها جمع رباط، ويجوز أن يكون قوله (ومن رباط الخيل) تخصيصه للخيل من بين ما يتقوى
(١٦٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 160 161 162 163 164 165 166 167 168 169 170 ... » »»