الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ١٤٩
دبره إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنم وبئس المصير. فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم، وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى،
____________________
الصبى: إذا دب على استه قليلا قليلا، سمى بالمصدر والجمع زحوف. والمعنى: إذا لقيتموهم للقتال وهم كثير جم وأنتم قليل فلا تفروا فضلا عن أن تدانوهم في العدد أو تساووهم، أو حال من الفريقين: أي إذا لقيتموهم متزاحفين هم وأنتم، أو حال من المؤمنين كأنهم أشعروا بما كان سيكون منهم يوم حنين حين تولوا مدبرين، وهم زحف من الزحوف اثنى عشر ألفا، وتقدمة نهى لهم عن الفرار يومئذ، وفي قوله - ومن يولهم يومئذ - أمارة عليه (إلا متحرفا لقتال) هو الكر بعد الفر، يخيل عدوه أنه منهزم ثم يعطف عليه، وهو باب من خدع الحرب ومكايدها (أو متحيزا) أو منحازا (إلى فئة) إلى جماعة أخرى من المسلمين سوى الفئة التي هو فيها. وعن ابن عمر رضي الله عنه " خرجت سرية وأنا فيهم ففروا، فلما رجعوا إلى المدنية استحيوا فدخلوا البيوت، فقلت:
يا رسول الله نحن الفرارون، فقال: بل أنتم العكارون وأنا فئتكم ". وانهزم رجل من القادسية فأتى المدينة إلى عمر رضي الله عنه فقال: يا أمير المؤمنين هلكت فررت من الزحف، فقال عمر رضي الله عنه: أنا فئتك. وعن ابن عباس رضي الله عنه أن الفرار من الزحف من أكبر الكبائر. فإن قلت: بم انتصب إلا متحرفا؟ قلت: على الحال وإلا لغو، أو على الاستثناء من المولين: أي ومن يولهم إلا رجلا منهم متحرفا أو متحيزا. وقرأ الحسن دبره بالسكون ووزن متحيز متفيعل لا متفعل لأنه من حاز يحوز فبناء متفعل منه متحوز. لما كسروا أهل مكة وقتلوا وأسروا أقبلوا على التفاخر، فكان القائل يقول: قتلت وأسرت، ولما طلعت قريش قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" هذه قريش قد جاءت بخيلائها وفخرها يكذبون رسولك، اللهم إني أسألك ما وعدتني، فأتاه جبريل عليه السلام فقال: خذ قبضة من تراب فارمهم بها فقال لما التقى الجمعان لعلى رضي الله عنه: أعطني قبضة من حصباء الوادي، فرمى بها في وجوههم وقال: شاهت الوجوه، فلم يبق مشرك إلا شغل بعينيه، فانهزموا وردفهم المؤمنون يقتلونهم ويأسرونهم " فقيل لهم (فلم تقتلوهم) والفاء جواب شرط محذوف تقديره: إن افتخرتم بقتلهم فأنتم لم تقتلوهم (ولكن الله قتلهم) لأنه هو الذي أنزل الملائكة وألقى الرعب في قلوبهم وشاء النصر والظفر وقوى قلوبكم وأذهب عنها الفزع والجزع (وما رميت) أنت يا محمد (إذ رميت ولكن الله رمى) يعنى أن الرمية
(١٤٩)
مفاتيح البحث: القتل (2)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 144 145 146 147 148 149 150 151 152 153 154 ... » »»