الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ١٥١
ولا تكونوا كالذين قالوا سمعنا وهم لا يسمعون. إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون. ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون.
يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم
____________________
تصدقون لأنكم مؤمنون لستم كالصم المكذبين من الكفرة (ولا تكونوا كالذين قالوا سمعنا) أي ادعوا السماع (وهم لا يسمعون) لأنهم ليسوا بمصدقين فكأنهم غير سامعين. والمعنى: إنكم تصدقون بالقرآن والنبوة، فإذا توليتم عن طاعة الرسول في بعض الأمور من قسمة الغنائم وغيرها كان تصديقكم كلا تصديق، وأشبه سماعكم سماع من لا يؤمن. ثم قال (إن شر الدواب) إن شر من يدب على وجه الأرض، أو إن شر البهائم الذين هم صم عن الحق لا يعقلونه جعلهم من جنس البهائم ثم جعلهم شرها (ولو علم الله) في هؤلاء الصم البكم (خيرا) أي انتفاعا باللطف (لأسمعهم) للطف بهم حتى يسمعوا سماع المصدقين ثم قال (ولو أسمعهم لتولوا) عنه: يعنى ولو لطف بهم لما نفع فيهم اللطف فلذلك منعهم ألطافه، أو ولو لطف بهم فصدقوا لارتدوا بعد ذلك وكذبوا ولم يستقيموا.
وقيل هم بنو عبد الدار بن قصي، لم يسلم منهم إلا رجلان مصعب بن عمير وسويد بن حرملة، كانوا يقولون نحن صم بكم عمى عما جاء به محمد لا نسمعه ولا نجيبه، فقتلوا جميعا بأحد وكانوا أصحاب اللواء. وعن ابن جريج هم المنافقون، وعن الحسن أهل الكتاب (إذ دعاكم) وحد الضمير كما وحده فيما قبله، لأن استجابة رسول الله صلى الله عليه وسلم كاستجابته، وإنما يذكر أحدهم مع الآخر للتوكيد، والمراد بالاستجابة الطاعة والامتثال، وبالدعوة البعث والتحريض. وروى أبو هريرة " أن النبي صلى الله عليه وسلم مر على باب أبي بن كعب فناداه وهو في الصلاة، فعجل في صلاته ثم جاء فقال: ما منعك عن إجابتي؟ فقال: كنت أصلى، قال: ألم تخبر فيما أوحى إلى استجيبوا الله وللرسول؟ قال: لاجرم لا تدعوني إلا أجبتك " وفيه قولان: أحدهما أن هذا مما اختص به رسول الله صلى الله عليه وسلم. والثاني أن دعاءه كان لأمر لم يحتمل التأخير، وإذا وقع مثله للمصلى فله أن
(١٥١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 146 147 148 149 150 151 152 153 154 155 156 ... » »»