الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ١٤٢
كنتم مؤمنين. إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون. الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون.
أولئك هم المؤمنون حقا لهم درجات عند ربهم ومغفرة ورزق كريم. كما أخرجك ربك
____________________
كنتم مؤمنين) إن كنتم كاملي الإيمان، واللام في قوله (إنما المؤمنون) إشارة إليهم، أي إنما الكاملو الإيمان من صفتهم كيت وكيت، والدليل عليه قوله - أولئك هم المؤمنون حقا - (وجلت قلوبهم) فزعت. وعن أم الدرداء الوجل في القلب كاحتراق السعفة أما تجد له قشعريرة؟ قال: بلى، قالت: فادع الله فإن الدعاء يذهبه: يعنى فزعت لذكره استعظاما له وتهيبا من جلاله وعزة سلطانه وبطشه بالعصاة وعقابه، وهذا الذكر خلاف الذكر في قوله - ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله - لأن ذلك ذكر رحمته ورأفته وثوابه. وقيل هو الرجل يريد أن يظلم أو يهم بمعصية فيقال له اتق الله فينزع. وقرئ وجلت بالفتح وهى لغة نحو وبق في وبق، وفى قراءة عبد الله فرقت (زادتهم إيمانا) ازدادوا بها يقينا وطمأنينة نفس، لأن تظاهر الأدلة أقوى للمدلول عليه وأثبت لقدمه وقد حمل على زيادة العمل. وعن أبي هريرة رضي الله عنه: الإيمان سبع وسبعون شعبة: أعلاها شهادة أن لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان. وعن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه: إن للإيمان سننا وفرائض وشرائع، فمن استكملها استكمل الإيمان، ومن لم يستكملها لم يستكمل الإيمان (وعلى ربهم يتوكلون) ولا يفوضون أمورهم إلى غير ربهم، لا يخشون ولا يرجون إلا إياه. جمع بين أعمال القلوب من الخشية والإخلاص والتوكل، وبين أعمال الجوارح من الصلاة والصدقة (حقا) صفة للمصدر المحذوف: أي أولئك هم المؤمنون إيمانا حقا، أو هو مصدر مؤكد للجملة التي هي أولئك هم المؤمنون كقولك: هو عبد الله حقا: أي حق ذلك حقا. وعن الحسن أن رجلا سأله أمؤمن أنت؟ قال: الإيمان إيمانان: فإن كنت تسألني عن الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والجنة والنار والبعث والحساب فأنا مؤمن، وإن كنت تسألني عن قوله - إنما المؤمنون - فوالله لا أدرى أمنهم أنا أم لا؟ وعن الثوري: من زعم أنه مؤمن بالله حقا ثم لم يشهد أنه من أهل الجنة فقد آمن بنصف الآية، وهذا إلزام منه: يعنى كما لا يقطع بأنه من أهل ثواب المؤمنين حقا فلا يقطع بأنه مؤمن حقا، وبهذا تعلق من يستثنى في الإيمان. وكان أبو حنيفة رضي الله عنه ممن لا يستثنى فيه، وحكى عنه أنه قال لقتادة: لم تستثنى في إيمانك؟ قال: اتباعا لإبراهيم عليه السلام في قوله - والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين - فقال له هلا اقتديت به في قوله - أو لم تؤمن قال بلى - (درجات) شرف وكرامة وعلو منزلة (ومغفرة) وتجاوز لسيئاتهم (ورزق كريم) نعيم الجنة: يعنى لهم منافع حسنة دائمة على سبيل التعظيم وهذا معنى الثواب (كما أخرجك ربك)
(١٤٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 137 138 139 140 141 142 143 144 145 146 147 ... » »»