الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ١٤٨
أنى معكم فثبتوا الذين آمنوا، سألقى في قلوب الذين كفروا الرعب فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان. ذلك بأنهم شاقوا الله ورسوله، ومن يشاقق الله ورسوله فإن الله شديد العقاب. ذلكم فذوقوه وأن للكافرين عذاب النار. يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الأدبار. ومن يولهم يومئذ
____________________
وأن ينتصب بيثبت (أنى معكم) مفعول يوحى. وقرئ إني بالكسر على إرادة القول، أو على إجراء يوحى مجرى يقول كقوله - إني ممدكم - والمعنى: إني معينكم على التثبيت فثبتوهم، وقوله (سألقى - فاضربوا) يجوز أن يكون تفسيرا لقوله - إني معكم فثبتوا - أو لا معونة أعظم من إلقاء الرعب في قلوب الكفرة، ولا تثبيت أبلغ من ضرب أعناقهم واجتماعهما غاية النصرة، ويجوز أن يكون غير تفسير وأن يراد بالتثبيت أن يخطروا ببالهم ما تقوى به قلوبهم وتصح عزائمهم ونياتهم في القتال، وأن يظهروا ما يتيقنون به أنهم ممدون بالملائكة. وقيل كان الملك يتشبه بالرجل الذي يعرفون وجهه فيأتي فيقول: إني سمعت المشركين يقولون: والله لئن حملوا علينا لننكشفن ويمشى بين الصفين فيقول: أبشروا فإن الله ناصركم لأنكم تعبدونه وهؤلاء لا يعبدونه. وقرئ الرعب بالتثقيل (فوق الأعناق) أراد أعالي الأعناق التي هي المذابح لأنها مفاصل، فكان إيقاع الضرب فيها حزا وتطييرا للرؤوس، وقيل أراد الرؤوس لأنها فوق الأعناق: يعنى ضرب الهام، قال:
* وأضرب هامة البطل المشيح * غشيته وهو في جأواء باسلة * عضبا أصاب سواء الرأس فانفلقا والبنا: الأصابع يريد الأطراف، والمعنى: فاضربوا المقاتل والشوى، لأن الضرب إما وقع على مقتل أو غير مقتل، فأمرهم بأن يجمعوا عليهم النوعين معا، ويجوز أن يكون قوله - سألقى، إلى قوله: كل بنان - عقيب قوله - فثبتوا الذين آمنوا - تلقينا للملائكة ما يثبتونهم به كأنه قال: قولوا لهم قولي - سألقى في قلوب الذين كفروا الرعب - أو كأنهم قالوا: كيف نثبتهم؟ فقيل: قولوا لهم سألقى: فالضاربون على هذا هم المؤمنون (ذلك) إشارة إلى ما أصابهم من الضرب والقتل والعقاب العجل، ومحله الرفع على الابتداء و (بأنهم) خبره: أي ذلك العقاب وقع عليهم بسبب مشاقهم، والمشاقة مشتقة من الشق، لأن كلا المتعاديين في شق خلاف شق صاحبه.
وسئلت في المنام عن اشتقاق المعاداة فقلت: لأن هذا في عدوة وذاك في عدوة، كما قيل المخاصمة والمشاقة، لأن هذا في خصم: أي في جانب وذاك في خصم، وهذا في شق وذاك في شق، والكاف في ذلك لخطاب الرسول عليه الصلاة والسلام أو لخطاب كل واحد، وفى (ذلكم) للكفرة على طريقة الالتفات ومحل ذلكم الرفع على ذلكم العقاب، أو العقاب ذلكم (فذوقوه) ويجوز أن يكون نصبا على عليكم ذلكم فذوقوه كقولك: زيدا فاضربه (وأن للكافرين) عطف على ذلكم في وجهيه، أو نصب على أن الواو بمعنى مع. والمعنى: ذوقوا هذا العذاب العاجل مع الآجل الذي لكم في الآخرة فوضع الظاهر موضع الضمير، وقرأ الحسن وإن للكافرين بالكسر (زحفا) حال من الذين كفروا، والزحف: الجيش الدهم الذي يرى لكثرته كأنه يزحف: أي يدب دبيبا، من زحف
(١٤٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 143 144 145 146 147 148 149 150 151 152 153 ... » »»