الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ١٤١
قل الأنفال لله والرسول فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا الله ورسوله إن
____________________
وعد منه، وعند الشافعي رحمه الله في أحد قوليه لا يلزم. ولقد وقع الاختلاف بين المسلمين في غنائم بدر وفى قسمتها، فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف تقسم ولمن الحكم في قسمتها؟ أللمهاجرين أم للأنصار؟ أم لهم جميعا؟ فقيل له: قل لهم هي لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو الحاكم فيها خاصة يحكم فيها ما يشاء، ليس لأحد غيره فيها حكم. قيل شرط لمن كان له بلاء في ذلك اليوم أن ينفله، فتسارع شبانهم حتى قتلوا سبعين وأسروا سبعين، فلما يسر الله الفتح اختلفوا فيما بينهم وتنازعوا، فقال الشبان: نحن المقاتلون، وقال الشيوخ والوجوه الذين كانوا عند الرايات: كنا ردءا لكم وفئة تنحازون إليها إن انهزمتم، وقالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم:
المغنم قليل والناس كثير، وإن تعط هؤلاء ما شرطت لهم حرمت أصحابك فنزلت. وعن سعد بن أبي وقاص " قتل أخي عمير يوم بدر، فقتلت به سعيد بن العاص (1) وأخذت سيفه فأعجبني، فجئت به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: إن الله قد شفى صدري من المشركين فهب لي هذا السيف، فقال: ليس هذا لي ولا لك اطرحه في القبض، فطرحته وبي ما لا يعلمه إلا الله تعالى من قتل أخي وأخذ سلبى، فما جاوزت إلا قليلا حتى جاءني رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أنزلت سورة الأنفال فقال: يا سعد إنك سألتني السيف وليس لي وإنه قد صار لي فاذهب فخذه ". وعن عبادة بن الصامت: نزلت فينا يا معشر أصحاب بدر حين اختلفنا في النفل وساءت فيه أخلاقنا، فنزعه الله من أيدينا فجعله لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقسمه بين المسلمين على السواء. وكان في ذلك تقوى الله وطاعة رسوله وإصلاح ذات البين. وقرأ ابن محيصن: يسألونك علنفال، بحذف الهمزة وإلقاء حركتها على اللام وإدغام نون عن في اللام. وقرأ ابن مسعود: يسألونك الأنفال: أي يسألك الشبان ما شرطت لهم من الأنفال. فإن قلت: ما معنى الجمع بين ذكر الله والرسول في قوله (قل الأنفال لله والرسول)؟ قلت: معناه أن حكمها مختص بالله ورسوله يأمر الله بقسمتها على ما تقتضيه حكمته ويمتثل الرسول أمر الله فيها، وليس الأمر في قسمتها مفوضا إلى رأى أحد، والمراد أن الذي اقتضته حكمة الله وأمر به رسوله أن يواسى المقاتلة المشروط لهم التنفيل الشيوخ الذين كانوا عند الرايات فيقاسموهم على السوية ولا يستأثروا بما شرط لهم، فإنهم إن فعلوا لم يؤمن أن يقدح ذلك فيما بين المسلمين من التحاب والتصافي (فاتقوا الله) في الاختلاف والتخاصم وكونوا متحدين متآخين في الله (وأصلحوا ذات بينكم) وتآسوا وتساعدوا فيما رزقكم الله وتفضل به عليكم. وعن عطاء: كان الإصلاح بينهم أن دعاهم وقال: اقسموا غنائمكم بالعدل، فقالوا: قد أكلنا وأنفقنا، فقال: ليرد بعضكم على بعض. فإن قلت: ما حقيقة قوله ذات بينكم؟ قلت: أحوال بينكم: يعنى ما بينكم من الأحوال حتى تكون أحوال ألفة ومحبة واتفاق كقوله - بذات الصدور - وهى مضمراتها لما كانت الأحوال ملابسة للبين قيل لها ذات البين كقولهم: اسقنى ذا إنائك، يريدون ما في الإناء من الشراب، وقد جعل التقوى وإصلاح ذات البين وطاعة الله ورسوله من لوازم الإيمان وموجباته ليعلمهم أن كمال الإيمان موقوف على التوفر عليها، ومعنى قوله (إن

(1) (قوله سعيد بن العاص) كذا نسخ الكشاف وأبى السعود، وبهامشه قال أبو عبيد: صوابه العاص بن سعيد كما في بعض حواشي البيضاوي. والقبض: بفتحتين ما قبض من الغنائم اه‍ كتبه المصحح.
(١٤١)
مفاتيح البحث: الغنيمة (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 136 137 138 139 140 141 142 143 144 145 146 ... » »»