الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ١٦٣
إذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض غر هؤلاء دينهم ومن يتوكل على الله فإن الله عزيز حكيم. ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم وذوقوا عذاب الحريق. ذلك بما قدمت أيديكم وأن الله ليس بظلام للعبيد. كدأب آل فرعون والذين من قبلهم،
____________________
قريش على السير ذكرت التي بينها وبين بنى كنانة من الحرب فكاد ذلك يثنيهم، فتمثل لهم إبليس في صورة سراقة ابن مالك بن جعشم الشاعر الكناني وكان من أشرافهم في جند من الشياطين معه راية وقال: لا غالب لكم اليوم وإني مجيركم من بنى كنانة، فلما رأى الملائكة تنزل نكص. وقيل كانت يده في يد الحرث بن هشام، فلما نكص قال له الحرث: إلى أين أتخذلنا في هذه الحال؟ فقال: إني أرى ما لا ترون، ودفع في صدر الحرث وانطلق وانهزموا، فلما بلغوا مكة قالوا: هزم الناس سراقة، فبلغ ذلك سراقة فقال:
والله ما شعرت بمسيركم حتى بلغتني هزيمتكم، فلما أسلموا علموا أنه الشيطان.
وفى الحديث " وما رؤي إبليس يوما أصغر ولا أدحر ولا أغيظ من يوم عرفة لما يرى من نزول الرحمة إلا ما رؤي يوم بدر ". فإن قلت: هلا قيل لا غالبا لكم كما يقال لا ضاربا زيدا عندنا؟ قلت: لو كان لكم مفعولا لغالب بمعنى لا غالبا إياكم لكان الأمر كما قلت، لكنه خبر تقديره: لا غالب كائن لكم (إذ يقول المنافقون) بالمدينة (والذين في قلوبهم مرض) يجوز أن يكون من صفة المنافقين، وأن يراد الذين هم على حرف ليسوا بثابتي الأقدام في الإسلام. وعن الحسن المشركون (غر هؤلاء دينهم) يعنون أن المسلمين اغتروا بدينهم وأنهم يتقوون به وينصرون من أجله، فخرجوا وهم ثلاثمائة وبضعة عشر إلى زهاء ألف، ثمم قال جوابا لهم (ومن يتوكل على الله فإن الله عزيز) غالب يسلط القليل الضعيف على الكثير القوى (ولو ترى) ولو عاينت وشاهدت، لأن لو ترد المضارع إلى معنى الماضي كما ترد إن الماضي إلى معنى الاستقبال. و (إذ) نصب على الظرف. وقرئ يتوفى بالياء والتاء و (الملائكة) رفعها بالفعل و (يضربون) حال منهم، ويجوز أن يكون في يتوفى ضمير الله عز وجل والملائكة مرفوعة بالابتداء ويضربون خبر. وعن مجاهد وأدبارهم أستاههم، ولكن الله كريم يكنى، وإنما خصوهما بالضرب لأن الخزي والنكال في ضربهما أشد. وبلغني عن أهل الصين أن عقوبة الزاني عندهم أن يصبر ثم يعطى الرجل القوى البطش شيئا عمل من حديد كهيئة الطبق فيه رزانة وله مقبض فيضربه على دبره ضربة واحدة بقوته فيجمد في مكانه. وقيل يضربون ما أقبل منهم وما أدبر (وذوقوا) معطوف على يضربون على إرادة القول: أي ويقولون ذوقوا (عذاب الحريق) أي مقدمة عذاب النار، أو وذوقوا عذاب الآخرة بشارة لهم به. وقيل كانت معهم مقامع من حديد كلما ضربوا بها التهبت النار، أو ويقال لهم يوم القيامة ذوقوا، وجواب لو محذوف: أي: لرأيت أمرا فظيعا منكرا (ذلك بما قدمت أيديكم) يحتمل أن يكون من كلام الله ومن كلام الملائكة، وذلك رفع بالابتداء وبما قدمت خبره (وأن الله) عطف عليه: أي ذلك العذاب بسببين: بسبب كفركم ومعاصيكم، وبأن الله (ليس بظلام للعبيد) لأن تعذيب الكفار من العدل
(١٦٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 158 159 160 161 162 163 164 165 166 167 168 ... » »»