الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ١٣٨
إن الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم فادعوهم فليستجيبوا لكم إن كنتم صادقين.
ألهم أرجل يمشون بها أم لهم أيد يبطشون بها أم لهم أعين يبصرون بها أم لهم آذان يسمعون بها قل ادعوا شركاء كم ثم كيدون فلا تنظرون. إن وليي الله الذي نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين. والذين تدعون من دونه لا يستطيعون نصركم ولا أنفسهم ينصرون. وإن تدعوهم إلى الهدى لا يسمعوا وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون. خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين.
____________________
معهم. فإن قلت: هلا قيل أم صمتم ولم وضعت الجملة الاسمية موضع الفعلية؟ قلت: لأنهم كانوا إذا حزبهم أمر دعوا الله دون أصنامهم كقوله - وإذا مس الناس ضر - فكانت حالهم المستمرة أن يكونوا صامتين عن دعوتهم فقيل إذ دعوتموهم لم تفترق الحال بين إحداثكم دعاءهم وبين ما أنتم عليه من عادة صمتكم عن دعائهم (إن الذين تدعون من دون الله) أي تعبدونهم وتسمونهم آلهة من دون الله (عباد أمثالكم) وقوله - عباد أمثالكم - استهزاء بهم: أي قصارى أمرهم أن يكونوا أحياء عقلاء، فإن ثبت ذلك فهم عباد أمثالكم لا تفاضل بينكم، ثمم أبطل أن أن يكونوا عبادا أمثالهم فقال (ألهم أرجل يمشون بها) وقيل عباد أمثالكم مملوكون أمثالكم. وقرأ سعيد بن جبير:
إن الذين تدعون من دون الله عبادا أمثالكم، بتخفيف إن ونصب عبادا أمثالكم. والمعنى: ما الذين تدعون من دون الله عبادا أمثالكم على إعمال إن النافية عمل ما الحجازية (قل ادعوا شركاءكم) واستعينوا بهم في عدواني (ثم كيدون) جميعا أنتم وشركاؤهم (فلا تنظرون) فإني لا أبالى بكم ولا يقول هذا إلا واثق بعصمة الله، وكانوا قد خوفوه آلهتهم فأمر أن يخاطبهم بذلك كما قال هود له - إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء - فقال لهم - إني برئ مما تشركون من دونه فكيدوني جميعا ثم لا تنطرون - (إن ولي الله) أي ناصري عليكم الله (الذي نزل الكتاب) الذي أوحى إلى كتابه وأعزني برسالته (وهو يتولى الصالحين) ومن عادته أن ينصر الصالحين من عباده وأنبيائه ولا يخذلهم (ينظرون إليك) يشبهون الناظرين إليك لأنهم صوروا أصنامهم بصورة من قلب حدقته إلى الشئ ينظر إليه (وهم لا يبصرون) وهم لا يدركون المرئي (العفو) ضد الجهد: أي خذ ما عفا لك من أفعال الناس وأخلاقهم وما أتى منهم وتسهل من غير كلفة ولا تداقهم ولا تطلب منهم الجهد وما يشق عليهم حتى لا ينفروا كقوله صلى الله عليه وسلم " يسروا ولا تعسروا " قال:
خذي العفو منى تستديمي مودتي * ولا تنطقي في سورتي حين أغضب وقيل خذ الفضل وما تسهل من صدقاتهم وذلك قبل نزول آية الزكاة، فلما نزلت أمر أن يأخذهم بها طوعا أوكرها. والعرف: المعروف والجميل من الأفعال (وأعرض عن الجاهلين) ولا تكافئ السفهاء بمثل سفههم ولا تمارهم وأحلم عنهم واغض على ما يسؤك منهم. وقيل لما نزلت الآية سأل جبريل فقال: لا أدرى حتى أسأل ثم رجع فقال: يا محمد إن ربك أمرك أن تصل من قطعك وتعطى من حرمك وتعفو عمن ظلمك. وعن جعفر
(١٣٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 133 134 135 136 137 138 139 140 141 142 143 ... » »»